من الظواهر الملاحظة في مرحلة
المراهقة ظاهرة التقمص، أي قيام المراهق بتقليد شخصيات أخرى محددة
بشكل شامل وتفصيلي لمعالمها التي يدركها، وحرصه على أن يبدو مشابهاً
لهذه الشخصيات في مظهره وحركاته وسلوكه فقد يتقمص المراهق شخصية نجم
يقدمه الإعلام، أو شخصية راشد يعرفه في بيئته، أو بعض ما يعرفه عن
شخصيات غائبة عن محيطه، مثل تقمص فتاة مراهقة لشخصية تاريخية معينة
تتخيلها، وقد يتقمص المراهق معالم شخصيات تقدمها بعض الثقافات مثل
المراهق الذي يرتدي ملابس الشباب المتدين ويقلد سلوكهم أو بالمقابل
المراهق الذي يرتدي آخر صيحات الموضة في الغرب ويتصرف كما يتصرف
المراهقون في الأعمال الفنية والأفلام الغربية.
أخيتي العزيزة .. التقمص قد يكون
لشخصية محددة أو لمعالم عامة للشخصية تحددها ثقافات أو تقاليد
معينة، فهل هذا التقمص مشكلة تجب معالجتها؟ ليس سلوك التقمص مشكلة
في كل الحالات لكنه قد يعبر عن مشكلة أو يؤدي إلى مشكلة في حالات
معينة منها عندما يتقمص المراهق شخصية معادية للقيم الإنسانية
والاجتماعية مثل شخصيات بعض المجرمين فعندما ينشغل المراهق بتغيير
مظهره وإظهار سلوكه ليكون مثل هذه الشخصية إلى درجة يلاحظ فيها ضعف
مهارات إدارته لذاته، وتراجع علاقاته الشخصية وغياب تأثيره في محيطه
الاجتماعي القريب عندما تكون الشخصية التي تقمصها بعيدة كثيراً عن
واقعه، ويعبر اختيارها عن شعوره بنقص شخصيته، أو سخطه على واقعه
ومجتمعه مثل تقليد المراهق الفقير لتصرفات أصحاب الملايين.
فعندما يترافق مع التقمص عجز المراهق عن تحديد معالم تميز شخصيته هو أي عندما يجهل نفسه وبذلك تغيب إرادته لتطوير نفسه وتنمية قدراته، وعندما يركز على تمثل المظاهر الخارجية للشخصية التي تجذبه، ولا يتمكن من ربط هذه المعالم بقيم أو مبادئ عامة تضبط السلوك هذه الحالات مع أنها تبدو كثيرة ليست كل الحالات التي يقوم فيها المراهق بالتقمص فهناك حالات أخرى يمكن أن يرتبط التقمص فيها بسلوك إيجابي ونمو سوي منها: عندما يؤدي التقمص إلى نمو خلقي واجتماعي سوي أي إلى تمثل المراهق لقيم اجتماعية محددة ونجاحه في التفاعل الإيجابي مع محيطه الاجتماعي أو أن تكون الشخصية التي اختارها هي شخصية بطل يمجده المجتمع، أو يجمع معالم مثل أعلى، أو يمثل مستوى عالياً في الإنجاز والتفوق وبشكل عام، يمكن أن يكون التقمص سبباً في فهم المراهق لنفسه وتنمية مفهومه عن ذاته وتقبله وتقديره لها بل قد يؤدي إلى دفعه للتفوق في مجالات مفيدة لنفسه ومجتمعه وهذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتعامل الآخرين معه وردود أفعالهم على سلوكه وبالأخص في أسرته ومن قبل والديه.
ولعل أبرز نماذج الخلل في تعامل
الوالدين مع التقمص عند المراهقين هو غياب التوجيه والشعور بالرضا
عندما يرون أبناءهم المراهقين يتقمصون شخصياتهم فيفرح الأب لرؤيته
ابنه يلبس مثل ملابسه ويتكلم بطريقته ويكرر أقواله دون بحث أو نقاش،
وعندما تفتخر الأم بابنتها التي تتمنى فقط أن تشابهها في مظهرها
وتعاملها مع الآخرين وإدارتها لحياتها، والمقصود عندما يقرر
الوالدان بسبب هذا النوع من التقمص أن الابن المراهق هو ابن مثالي
يؤدي سلوكاً ناضجاً، وينتظره مستقبل مشرق وهو لا يحتاج لمزيد من
التربية أو التوجيه، ولا الملاحظة أو المتابعة، فكل شيء على ما
يرام.
أما المعالجة الأفضل لسلوك التقمص
عند المراهق فهي ترتبط بمهارات الوالدين الإيجابية التي نعرفها
جميعاً حول التعامل مع المراهقين مثل المتابعة الفعالة لنموهم
وسلوكه وتنمية استقلاليتهم وبناء علاقات مثمرة معهم واستخدام الحوار
في التواصل معهم وتفهم مشاعرهم، وتقبل شخصياتهم، وبناء الجو الدافئ
في الأسرة، فعلى الوالد الواعي أن يلاحظ الآثار المباشرة لتوجيهاته
القولية بل يسعى لمعرفة آثارها غير المباشرة من خلال تعرفه على فهم
الابن لها وارتباط ذلك بكيفية تطبيقها والوالد الصالح يقدم لأبنائه
قدوة تستحق أن يتمثلها الأبناء وإن لم يستطع فإنه يسعى لتعريفهم
بالمثل الأعلى الذي عليهم أن يتخذوه، ويوجههم للبيئة التي يمكنهم أن
يتفاعلوا فيها مع هذا المثل الأعلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج رحيق العفاف - الحلقة السابعة - الدورة 36
المشورة نافذة البصيرة وقوة الفكر
اقلام على خطى الزهراء (عليها السلام)