ضرورة الرجوع لأهل البيت (عليهم السلام)
2025/07/27
23

رُوي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: «مَنْ أتانا لَمْ يُعْدَمْ خِصْلَةً مِنْ أرْبَع: آيَةً مُحْكَمَةً، وَقَضِيَّةً عادِلَةً، وَأخًا مُسْتَفادًا، وَمُجالَسَةَ العُلَماءِ» (كشف الغمّة: 2/242).

الإتْيان: هو المَجيء (لسان العرب: 14/13)، ومنه قوله تعالى: ﴿إلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (الشعراء: 89)،

 ومعناه: مَن جاء إلى الله تعالى بقلبٍ نقيٍّ، ومعنى قول الإمام الحسين (عليه السلام) هنا: «مَنْ أَتانا»، أي: مَن جاءنا.

وهنا يحُسن التنبيه لأمور عديدة أشار لها الإمام الحسين (عليه السلام) في كلمته الشريفة هذه:

أوّلها: أنّ أهل البيت (عليهم السلام) أساس الإسلام، والذي لا يقوم إلّا بهم (عليهم السلام)، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الإسلام عريان، فلباسه الحياء، وزينته الوقار، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكلّ شيء أساس، وأساس الاسلام حبنا أهل البيت» (الكافي: 2/46)، ومعنى حبهم: الرجوع والتسليم لهم (عليهم السلام)، بل ولا يكون مؤمنًا بغير ذلك، كما روي عن ابن أذينة قال: حدثنا غير واحد، عن أحدهما أنّه قال: «لا يكون العبدُ مؤمنًا حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلّهم وإمام زمانه، ويردّ إليه، ويسلّم له»، ثم قال: «كيف يَعرِف الآخر وهو يجهل الأول؟!» (الكافي: 1/180).

ثانيها: الرجوع إنّما يكون لهم لا لغيرهم (عليهم السلام)؛ لأنّ الرجوع لغيرهم يصيّر الإنسان لمنهج آخر غير مأمون وناقص، وكمال العلم والمعرفة فيهم، وغيرهم عيال عليهم، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لكميل بن زياد النخعيّ (رضوان الله عليه): «يا كميل، ما من علم إلّا وأنا أفتحه، وما من سرٍّ إلّا والقائم (عليه السلام) يختمه. يا كميل، ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (آل عمران: 34). يا كميل، لا تأخذ إلّا عنّا تكن منّا» (تحف العقول: 117).

ثالثها: لا ينحصر إتيانهم في حياتهم بل حتى بعد مماتهم (عليهم السلام)، فقد وردت النصوص المستفيضة في فضل إتيانهم (عليهم السلام) حتى بعد موتهم، ومنها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «مَن أتى مكَّة حاجًّا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومَن أتاني زائرًا وجبت له شفاعتي، ومَن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة» (وسائل الشيعة: 10/263)، والكلام مطلق غير مقيّد بحياته (صلى الله عليه وآله).

وأصرح منه ما روي عن المعلى أبي شهاب قال: «قال الحسين (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبتاه ما لمن زارك؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بني مَن زارني حيًا أو ميتًا أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقًا عليّ أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه» (الكافي: 4/548).

رابعها: تضافرت النصوص الشريفة في خصوص إتيان قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وبيان آثار تعاهده، ومنها: ما روى محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ويمدُّ في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كلِّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله» (كامل الزيارات: ٢٨٤).

خامسها: بركات إتيان أهل البيت (عليهم السلام):

نبّه سيد الشهداء (عليه السلام) إلى أن الراجع لهم لا يخلو من أربعة أمور مهمّة تنفعه في الدنيا والآخرة، بل لا غنى له عنها، يقول (عليه السلام): «مَنْ أَتانا لَمْ يُعْدَمْ خِصْلَةً مِنْ أَرْبَع: آيَةً مُحْكَمَةً، وَقَضِيَّةً عادِلَةً، وَأَخًا مُسْتَفادًا، وَمُجالَسَةَ العُلَماءِ».

أمّا (الآية المحكمة) فبها يحل إشكال ما تشابه من القرآن الكريم، وأهل البيت (عليهم السلام) أعلم الخلق بالقرآن، و(القضية العادلة) فهم أهل العدل والإحسان، و(الأخ المستفاد) هو الذي يحبهم وله حظوة وشفاعة يوم القيامة، و(مجالسة العلماء) التي تغني الجالس بفوائدهم، وهذا لا يكون إلّا في رحابهم، رحاب الطاعة والتقوى والسلام.

 

  • الشيخ جاسم الكربلائي
__________________________________________
نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1031.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا