حِكَمٌ راشِدَةٌ / 5 تجنُّب القول بغير علم وبصيرة
2025/08/04
34

(الحكمة السابعة):

تجنُّب القول بغير علم وبصيرة، فإنَّ ذلك محرَّم في الدين أيًّا كان مضمون القول، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا﴾ (الإسراء: 36)، وليس في حسن قصد المرء وسلامة غايته ما يبيح ذلك، كما لا يقيه من محاذير ذلك ومضاعفاته.

ولن يتأتَّى ذلك إلَّا بتنمية المرء لعلمه فيما يتعلَّق بمجال حديثه، وسعة اطِّلاعه وممارسته، والالتفات إلى مواضع الوفاق والخلاف، ومواطن الوثوق والشكِّ والريبة، والأخذ بالاحتياط في الأمور كلِّها.

ومن جملة مقتضيات ذلك: الاطِّلاع المناسب على التاريخ وحوادثه وظروف الوقائع وملابساتها وقيمة المصادر ودرجة اعتبارها.

وعلى الإجمال: فإنَّه ينبغي للمبلِّغ أن يكون ذا فضيلة في العلوم ذات العلاقة، متجهِّزًا بالأدوات اللازمة، ممارسًا في موضوع بحثه وحديثه، مطّلعًا على المعلومات المتعلِّقة بذلك، متحوِّطًا فيما لا يعلمه أو لم يتعلَّمه بعد.

وليحذر المرء من الابتداع والبدع، وهي إضافة شيء إلى الدين ليس منه ولا حجَّةً موثوقةً عليه فيه، فإنَّ الابتداع في الدين من أضرّ وجوه الضلالة فيه، وهي تؤدِّي إلى تشعُّب الدين إلى عقائد متعدِّدة وانقسام أهله إلى فرق وأحزاب مختلفة ومتقاطعة -كما نشهده في كثير من الأديان والمذاهب-، وقد جاء عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله) التحذير من البدعة وأنَّ شرِّ الأمور محدثاتها وكلُّ بدعة ضلالة وكلُّ ضلالة في النار.

ومن القول بغير علم وبصيرة: المبالغة في الشيء والتجاوز به عن حدِّه، كأن يجعل الأمر النظريَّ المتوقّف على الاجتهاد واضحًا وبديهيًّا، أو يجعل الأمر المختلف فيه بين وجوه أهل العلم متَّفقًا عليه بينهم تصريحًا أو تلويحًا وينزِّله منزلته، أو يجعل المظنون مقطوعًا، أو يجعل المحتمل مظنونًا، أو يجعل بعض الوظائف الشرعيَّة فوق درجاتها، فيبلغ بالمستحبِّ درجة الواجب -من غير عنوان ثانويِّ واجب ينطبق عليه-، وبالواجب من غير الدعائم درجة دعائم الدين أو يعكس ذلك، فإنَّ ذلك كلَّه أمر غير مقبول شرعًا، وعلى مَن يتبوَّأ موقع التعليم والتزكية للناس وينتسب إلى أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) في التربية والتعليم بحسب التلقِّي العامِّ أن يتورّع عن ذلك، ولا خير في كلام من غير ورع ولا في خطاب من غير تقوى، ومن يتَّقِ الله سبحانه فهو خير له وأسلم لما يقصده.

ويتوقّف تجنّب المرء عن القول بغير علم على رعاية الاحتياط في مقام نقل الروايات والحوادث، والتثبُّت في الشيء قبل العرض الجازم له بضبط ما يريد قوله قبل إلقائه وتكرار المرور عليه، فلا تفلتنَّ كلمة منه من دون أن يتأمَّلها حقَّ َتأمّلها فتكون أشبه برميةٍ من غير رامٍ، وليستحضر أنَّه لا مجال له للاعتذار بعد إلقاء الخطاب في المشهد العامِّ، على أنَّ ترك المرء قول ما لا ينبغي له أن يقوله -ولو لإيهامه- أولى من أن يعتذر عنه أو يتصدَّى لاحقًا لإيضاحه.

وليحذر المبلِّغون عن أن يشمل كلامهم أو يبتني على شيء من المجادلة عن الحقِّ بالباطل، فإنَّه يوهن الحقَّ ويشوِّش عليه ويربك المنهج الصائب للاحتجاج، على أنّ في ما ثبت من الحقِّ وشواهده غنىً عن التمسُّك بالباطل.

 

(من وصايا المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلّغين والشعراء والرواديد بمناسبة حلول شهر المحرّم الحرام عام 1441هـ)

 


نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1032.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا