(الحكمة الخامسة):
تجنّب طرح ما يثير الفُرقة بين المؤمنين والاختلاف فيهم، والاهتمام بالحفاظ على وحدتهم وتآزرهم والتوادّ بينهم.
ومن وجوه ذلك: تجنّب التركيز على جهات التمايز بينهم مثل اختلافهم في التقليد وفيما يختلف المجتهدون فيه من تفاصيل بعض المعتقدات، بل كلّ خلاف بينهم لا يـُخرِج بعضهم عن التمسُّك بالكتاب والعترة حتّى لو نشأ عن الاختلاف في درجات إيمانهم أو بصيرتهم أو التزامهم أو رشدهم، بل حتّى لو كان عن زلّة صادرة عن بعضهم.
ولا ينبغي إشهار الزلّة والتشهير بصاحبها؛ فإنّ في ذلك ما يؤدّي إلى مزيد اشتهارها، وإلى إصرار صاحبها ومن قد يتأثّر به عليها، ويوجب وهن الحقيقة التي يُراد الحفاظ عليها فضلًا عن عدم جواز التشهير بالمؤمن وتسقيطه بزلّة صدرت عنه لا سيّما فيما أوحى ذلك بعدم تقدير سائر خصائصه ومزاياه، ورُبّ زلّة خمدت بالسكوت عنها وترك ذكرها، واتّقدت ببيانها والحديث عنها، ورُبّ صمت عن شيء خير من كلام.
ثمّ الحذر الحذر من إخراج بعض أهل الإيمان بتأوِّل أو شبهة أو قول عن الدين بعد إقراره الصريح بالشهادتين، أو عن الانتماء إلى مذهب أهل البيت (عليه السلام) بعد الإذعان الواضح باصطفائهم (عليهم السلام) من هذه الأمّة كاصطفاء سلالات الأنبياء في الأمم السابقة للإمامة والحكم والعلم، فمن فعل ذلك فقد خالف سيرتهم وشقّ صفوف أوليائهم وأتباعهم وباء بخطأ عظيم.
بل ينبغي تجنُّب ما يثير الفرقة بين المسلمين ويوجب الضغينة وسوء الظنّ فيما بينهم، فإنّ ذلك خلاف تعاليمهم وسيرتهم حيث كانوا (صلوات الله عليهم) يحرصون فيها على حسن التعامل مع الآخر وعدم إبراز الاختلاف على وجه يوجب وهن الإسلام أو تشويه الحقّ، حتّى وردت التوصية بالصلاة معهم والكفّ عنهم وحضور مجالسهم وتشييع جنائزهم، وذلك أمر مؤكّد وواضح في التاريخ بالنظر إلى أحاديثهم وسيرتهم، ومن ثَمّ كانوا (عليهم السلام) موضع احترام الآخرين وثنائهم بل اهتمُّوا بالتعلُّم منهم والتفقُّه لديهم.
وليس في تجنّب مثل ذلك ما يقتضي تنازل المرء عن العقيدة الحقّة ولا المعاداة والبراءة ممّن ظلمهم، ولا الإغماض عنها وعن بيانها، فإنّ لبيان المعنى أساليب متعدّدة تفي كلُّها به بحسب مقاماته، وعلى المتكلّم الحكيم العارف بتنوّع أساليب البيان اختيار الأسلوب الملائم لذلك كما جروا (صلوات الله عليهم) عليه، ولذلك جاء عنهم حثّ علماء أصحابهم على معرفة ملاحن كلامهم -وهي ما يلوّح إليه الكلام- كقولهم: «إنّا لا نعدّ الرجل منكم فقيهًا حتّى نلحن فيعرف اللحن»، أو: «حتّى يعرف معاريض كلامنا».
وليتجنّب المبلِّغ التحاكم إلى عامّة الناس في المسائل النظريّة والتخصّصيّة التي لم يُكلّف الناس بها، أو جاز لهم فيها الاعتماد على المتخصّصين فيها، فإنّ ذلك يجرُّ إلى تسطيح المسائل، واستغلال أدعياء العلم وأصحاب الضلالة، وتغييب الموازين العلميّة، وتهوين العلم والتخصّص الحقيقيّ وأهله، ولذلك كلّه مضاعفات سلبيّة كبيرة جدًّا في أوساط المؤمنين ولا سيّما في الأمد المتوسّط والبعيد.
(من وصايا المرجعية الدينية العليا للخطباء والمبلّغين والشعراء والرواديد بمناسبة حلول شهر المحرّم الحرام عام 1441هـ)
__________________________________________
ضرورة الرجوع لأهل البيت (عليهم السلام)