من الدروس التي سطّرتها عاشوراء، هو
ذلك الحضور الشبابي الفاعل، الذي يكشف عن إيمان عميق بالله تعالى،
ونضج كبير، وروح مسؤولة تجاه الإسلام، وقضايا الأمة الكبرى، وهكذا
يجب أن يكون الشاب المؤمن دائماً، خصوصاً ذلك الذي ينتمي إلى مدرسة
عاشوراء.
فرق بين أن يسخّر الإنسان وجوده كله
لبناء دنياه؛ فينشغل بها عن المشاركة في صناعة مصير أمته، وأداء
المسؤوليات الرسالية التي فرضها الله تعالى عليه، كالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وأداء الواجبات الاجتماعية، وبناء عناصر القوة في
الأمة، وبين أن يبني ذاته في اتجاه صناعة واقع أمته، والنهوض به،
ومعالجة نقاط ضعفه.
لقد كان بإمكان أنصار الإمام الحسين
(عليه السلام) أن ينشغلوا بأمورهم الشخصية، وجمع الثروة وزخرف
الدنيا، عن المشاركة الفاعلة في أداء المسؤوليات الرسالية، وكان
الكثير منهم يمتلك القوة، والشجاعة، والمكانة الاجتماعية، بما
يمكنهم -لو أرادوا- أن تفتح لهم الدنيا أوسع أبوابها، ولكن ذلك لم
يؤدِ بهم إلى التخلّي عن هذه الواجبات العظيمة، وقاموا بها بأروع
قيام!
فقد روى أبو حمزة الثمالي عن مولانا
زين العابدين (عليه السلام) أن الإمام الحسين (عليه السلام) جمع
أصحابه وأهل بيته في ليلة العاشر، فخاطبهم بأن يتّخذوا اللّيل جملاً
لهم، وينجوا بأنفسهم، فليس المطلوب غيره، وأنهم في حل من بيعته
(عليه السلام)، ومن عهدهم الذي عاهدوه عليه، فأبوا تركه.
فقال لهم (عليه السلام): يا قوم إني
في غد أُقتل وتُقتلون كلكم معي، ولا يبقى منكم واحد. فقالوا: الحمد
لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك، أوَ لا نرضى أن نكون
معك في درجتك يابن رسول الله؟ فقال جزاكم الله خيراً، ودعا لهم
بخير، فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون.
___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون
الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد
944.
علي الأسدي
الإمعة: حين يغيب الرأي وتتلاشى المسؤولية