كيفية التعامل مع أحاديث كبار السن
2020/03/15
949

إن كبار السن أنوار وشموع تضيء بأي منزل يعم فيه الخير والبركة، قد لا تخلو المنازل في جميع المجتمعات من كبار السن فلهم التقدير والاحترام الرفيع أينما ذهبوا أو مكثوا، هم بلغوا من عمر كبير وعاصروا أجيالاً وصبروا رغم احتمال معاناتهم وصعوبة معيشتهم فهم مدارس في تجارب الحياة فكبار السن هم مسك الحياة وروح الماضي العريق بنفسهم الزكي من خلال أحاديثهم وقصصهم الجميلة لما فيها من خبرات وقوة صبر وتحمل وصدق ووفاء، فهم ذخيرتنا المعرفية في نقل الماضي وإيصاله بالحاضر ليوصل إلى الأبناء خبرات الآباء والأجداد، وما عرف عنهم في حياتهم الماضية ذلك الحنين للماضي العريق ما زال يلازم كبار السن ويتصدر أحاديثهم، ولكن هذا لا يعني عدم الاهتمام بما يدور من حولهم بل على العكس حيث أن محور الحديث هو الزمن والتغيير، نعم نجدهم يسردون القصص والأحداث التي لازمت المجتمع وإن كبار السن عندما يتحدثون عن تلك القصص لا يتحدثون من فراغ بل نجد بأن هناك نظرة ثاقبة ترسم لنا أهم الأسباب التي تأثر بها مجتمعنا من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثورة التقنية والتكنولوجية، يشعر كبار السن بالراحة النفسية عند الحديث عن السلوكيات التي كانوا يمارسونها في الصغر فهنالك المسنون المرضى أو المتقاعدون الذين يعانون من مشكلة أوقات الفراغ والخوف والقلق إزاء أسلوب الحياة الجديد الذي لم يعتادوا عليه، فيحاول المسن أن يرفع معنويات نفسه بنفسه فيميل إلى الحديث عن الماضي وإذا كان استذكار الماضي الجميل يظل جزءً من متعة الحديث في المجالس للكثيرين من جيل شاخ حينما يحضرهم الحديث عن موضوع العلاقة مع الماضي فإنه يلاحظ أن حسهم وإن كان مرتبطاً بإدراكهم لكل تفاصيل الماضي إلا أن سحر العلاقة الوجدانية معه يرتبط عندهم بمقدار بعد الفاصلة الزمنية عنه، فكلما تقدم بهم السن زادهم الحال شوقاً للماضي البعيد، لأن فيه أغلى مراحل العمر وهي مرحلة الشباب لذلك نجدهم أكثر من غيرهم تعلقاً بالماضي ونتلمس ذلك جلياً في شعرهم وحكاياتهم حيث يستحضرون الجزء الأكثر شجناً من تلك المرحلة في وصف الماضي في حالة من التوق المرهف لتجارب ولت ولن تعود.

تشير العديد من الدراسات أن ذكريات افنسان منذ بداية وعيه ولحد موته مخزونة كلها في اللاوعي وليس هناك من خبرة مر بها يمكن أن تتلاشى وتندثر، وفي بعض الأوقات تقفز بعض الخبرات الى منطقة الوعي فتظهر بكل ملامحها وصورها دون أن تستدعيها ذلك أنها وجدت لها مجالاً للإنسلال من اللاوعي إلى الوعي، ومن ذلك يتضح توق تلك الشريحة للماضي يرتبط بمرحلة الصبا والشباب وتجاربهم النضرة فيه، لذلك فهم يستعيدونه استشعاراً لسعادة وجدانية لكي يتجاوزا بها تعاسة غربة الحاضر بعد هذه الرحلة الطويلة من العمر حيث أرهقهم على ما يبدو الانشغال بالحاضر المثقل بإرهاصات صخب الحياة المعاصرة وضنك الخشية من مفاجآت الغد، إضافة الى التهيب من صعوبة التكيف مع معطيات الواقع الجديد الذي فرضته متغيرات عصرنا المتسارعة وما رافقها من تداعيات كبرى في البناء الاجتماعي والثقافي والتقني وما نجم لهم عن ذلك من اغتراب عن هذا الواقع لصعوبة تعايشهم مع متطلباته العصرية بطريقة سلسة بسبب سرعة توالي إيقاعات هذه المتغيرات التي فاقت سرعة استجابة التحولات الاجتماعية والمعرفية لها، الأمر الذي جسم لهم معاناة العزلة بفجوة الجيل في حياتهم الراهنة بشكل ملموس؛ حيث يسعون عنئذ لتجاوز مرارتها بلجوئهم لإعادة إنتاج صور الماضي واستعادتها بذهنهم بطريقة وردية.

إن من واجب المستمعين للكبير ان يحسنوا الإصغاء والاستماع إليه لما لذلك من أهمية بالغة تضفي احتراماً للكبير وتوقيراً له من ناحية وحرصاً على الاستفادة من تجاربه ثانياً مع الحرص على عدم إبداء أي إشارات أو إيماءات تشعر الكبير بالضجر أو الملل أو تقلل من قيمة كلامه وعلينا أن نتذكر جميعاً أن الإنسان يمر بمراحل متعددة وفي نهايتها مرحلة الشيخوخة حيث ينبغي أن يحرص الجميع على تقديم الكبير دائماً سواء في المجالس أو في الحديث، لأن ذلك يعطيه دفعة من الحيوية والتفاؤل ويحسن مزاجه فيتناسى الوقت الذي يعيشه.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: وقد بلغت من الكبر عتياً - الحلقة العاشرة - الدورة البرامجية  32

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا