ليست القصة مجرّد حكاية تُروى عند
النوم، ولا وسيلة لتسلية مؤقتة تمضي كما تمضي بقية دقائق اليوم، بل
هي نافذة سحرية يطلّ منها الطفل على عالم متكامل من الفكرة، واللغة،
والانفعال، والاكتشاف. “اقصص رؤياك” ليست دعوة لسرد القصص فحسب، بل
دعوة لصناعة الوعي من خلالها، ولتمرير المعاني التي يصعب تلقينها
تعليمًا مباشرًا، عبر حكايات تنمو داخل خيال الطفل كما تنمو البذور
في تربة خصبة.
القصص من أقدم وأعمق وسائل التعبير
في الثقافة البشرية، وهي بالنسبة للطفل أداة ساحرة تختصر له
التجربة، وتختزل له الموقف، وتقدّم له نموذجًا يرى نفسه فيه، أو
يتعلم منه شيئًا. حين نقصّ لأطفالنا قصة، فإننا نربّي فيهم ملكة
التأمل، وننمي ثروتهم اللغوية، ونصقل عواطفهم في مواجهة ما يمرّون
به من مشاعر، وقد لا يعبرون عنها مباشرة.
لا تُقرأ القصص فقط لإضحاك الطفل أو
إشغاله، بل لتكون وسيلة تعليم خفية، ومصدرًا تربويًا فعّالًا.
يستطيع المربّي من خلال القصة أن يغرس قيمة، أو يشرح مفهوماً، أو
يفتح نافذة للحديث عن سلوك ما، أو يقدم حلاً غير مباشر لمشكلة تواجه
الطفل. كما أن القصص تنمّي حسّ الخيال، وتحرّك ملكة التصور، وتُعين
على فهم ما وراء الظاهر، وهو ما يجعلها تمهيدًا لبناء التفكير
الناقد والإبداعي.
ولأن الطفولة هي المرحلة الذهبية
لغرس القيم، فإن اختيار القصص المناسبة يتطلب وعيًا من الراوي،
وفهمًا لحاجات الطفل النفسية والاجتماعية والعقلية. فالقصة الناجحة
ليست فقط تلك التي تُحسن التشويق، بل التي تتسلل إلى عقل الطفل
بهدوء، وتغرس داخله فكرة تنمو معه وتبقى.
في زمن تتزاحم فيه المؤثرات، وتحتدم
فيه وسائل الترفيه التكنولوجية، تظل القصة الحضورية، المروية بصوت
الأم أو المربي أو المعلم، تحمل بعدًا إنسانيًا لا تغني عنه الشاشة.
إذ لا شيء يعوّض وهج القرب، ونغمة الصوت، وتفاعل العيون، وكلها تترك
أثرًا في نفس الطفل لا يُمحى.
“اقصص رؤياك” ليست مجرد عنوان، بل
مشروع تربوي ثقافي، يدعو الكبار لأن يرووا ما يرونه من خير وجمال
وصدق، وأن يحمّلوا قصصهم ما يريدون أن يُثمر في أطفالهم. هو مشروع
يستدعي أن نروي لا من أجل الحكاية وحدها، بل من أجل الغاية النبيلة:
تربية عقل منفتح، وقلب نقي، وخيال يجرؤ على أن يحلم.
فلتكن قصصنا جسورًا بيننا وبين
أطفالنا، نُرسي بها القيم، ونفتح بها الأبواب، ونربط بها الماضي
بالحاضر، والعقل بالروح، والحكاية بالحياة.
(أفياء الحسيني)
ضرورة الرجوع لأهل البيت (عليهم السلام)