هكذا أطفالنا في محرم
2025-07-01 09:09:19
31

إن محرم ليس مجرد شهر في التقويم، بل هو مدرسة تربوية متجددة، تُعطي كلّ فئة عمرية درسها الخاص، والأطفال مع صغر سنهم لهم نصيب كبير في هذه المدرسة، إذ يتشكل وجدانهم، وتُزرع في قلوبهم بذور الولاء والقيم الحسينية العظيمة.

وفي محرم، يتحول الطفل إلى جزء حي من المشهد الحسيني، يتعلّم الحب والوفاء، يعرف معنى التضحية، يرى بأمِّ عينه صور البذل والعطاء، فيتشبع وجدانه بقيم لم يكن ليستوعبها لو بقيت مجرد كلمات في الكتب أو محاضرات في الصفوف الدراسية، إنّه يتفاعل مع المشهد، يرتدي السواد حبًا، يمشي في المسيرات ولاءً، يمد يده بالخدمة شوقًا، ينصت للمجلس فهمًا، يبكي تأثرًا، يكبر روحًا وعقلًا مع كلّ ليلة تمرّ عليه في هذا الشهر العظيم.

والأطفال في محرم ليسوا مجرد حضور صامت، بل هم شركاء في العزاء، أبطال في مواكب الخدمة، أصوات في ركب الحزن، قلوب تردد الولاء، بعضهم يوزع الماء مستشعرًا عطش الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعضهم يحمل الرايات مستلهمًا من أبي الفضل (عليه السلام) دروس الفداء، وآخرون يشاركون في المجالس والمواكب، فتراهم يهتفون ويصرخون: (لن ننسى الحسين).

والتربية في محرم ليست دروسًا تلقى، بل مشاهد تُعاش، وسلوكيات تُكتسب، وأحاسيس تُزرع، فمن هذا الشهر يتعلّم الطفل الصبر، يفهم معنى الثبات، يعرف أنّ الوقوف مع الحق لا يُقاس بعدد السنين، بل بحجم الروح واستعداد القلب، يرى كيف يبذل الناس أموالهم وراحتهم في سبيل إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام)، فيتعلّم الإيثار عمليًا، يسمع القصائد فتتحول إلى معانٍ تسكن وجدانه، يشاهد خدام المواكب، فيحلم أن يكون واحدًا منهم يومًا ما.

وهكذا يكبر الطفل في محرم، لا كأيِّ طفل، بل يكبر حسينيًا منذ الصغر، يحمل القيم، يعيش المبادئ، ويتهيأ ليكون يومًا امتدادًا لتلك القافلة التي لم تتوقف منذ كربلاء، فمحرم ليس شهرًا عابرًا في حياته، بل هو محطة بناء، تصنع منه إنسانًا مختلفًا، يعي منذ نعومة أظفاره أنّ هناك طريقًا للحق لا ينتهي، وأنّ كربلاء لم تكن قصة من الماضي، بل رسالة تتجدد في كلّ جيل.

 

  • الشيخ حسين التميمي
__________________________________________
نشرة الخميس/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1042.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا