النظرة التربوية القرآنية في نداء "يا بني"
2025-02-11 06:44:00
70
النظرة التربوية القرآنية في نداء "يا بني"

يتضمن القرآن الكريم أساليب تربوية عظيمة تهدف إلى بناء شخصية الإنسان، وتقويم سلوكه على أساس متين من القيم والأخلاق. ومن أبرز تلك الأساليب التربوية استخدام أسلوب النداء بـ"يا بُنَيَّ" في مخاطبة الأبناء، حيث يجسد هذا النداء أسمى معاني اللطف والحنان والحكمة في التربية، ويعكس عمق العلاقة بين المربي والمتربي.
ويظهر ذلك في عدة مواضع من القرآن الكريم، وخاصة في قصة لقمان الحكيم وهو يخاطب ابنه، في قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان: 13).
وهنا يقدم لقمان نصيحة عظيمة تتركز على أهم القيم التوحيدية وهي: الإيمان بالله وحده ونبذ الشرك، وعبر هذا النداء نستشف أهمية البدء بغرس العقيدة الصحيحة بوصفها أساساً في بناء شخصية الأبناء، فالنداء بـ"يا بني" يحمل في طياته دعوة محبة وحرص على مصلحة الابن، مما يجعل النصيحة أقرب إلى قلب المتلقي وأكثر تأثيراً عليه.
كما تتكرر هذه العبارة في نصائح لقمان لابنه، مثل قوله: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (لقمان: 17).
وهنا يظهر المنهج التربوي المتكامل الذي يدعو إلى الالتزام بالعبادات والعمل الصالح والدعوة إلى الخير والصبر على المشاق.
مما يعكس النظرة التربوية الشاملة التي يركز فيها القرآن الكريم على إعداد الأبناء ليكونوا صالحين لأنفسهم ومجتمعهم، ونلاحظ أنّ هذا الأسلوب يركز على استخدام النبرة الهادئة والمفعمة بالحنان، إذ إنّ نداء "يا بني" يربط النصيحة بالحب والاهتمام، مما يزيل أيّ شعورٍ بالإلزام القسري، ويحفز الابن على تقبل النصيحة والعمل بها بإرادة داخلية.
إنّ استخدام "يا بني" لا يقتصر على النصائح الدينية، بل يمتد ليشمل جميع جوانب الحياة، كما في قوله تعالى على لسان نبيه نوح (عليه السلام) وهو يخاطب ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الكَافِرِينَ﴾ (هود: 42).
فنرى هنا حرص الأب على إنقاذ ابنه من الهلاك المادي والروحي، مما يدل على أنّ التربية القرآنية تنظر إلى الأبناء بصفتهم مسؤولية عظيمة يجب على الآباء رعايتها بكلِّ حكمة وصبر.
كما يظهر أنّ هذا النداء يستخدم ليس فقط للتوجيه والإرشاد، بل أيضاً للتحذير من المخاطر وتنبيه الأبناء إلى عواقب أفعالهم.
ومن الدروس التربوية التي يمكن استخلاصها من نداء "يا بني" أنّ التربية القرآنية تعتمد على التوازن بين الترغيب والترهيب، فالأب يقدم النصح بلغة حانية قريبة من القلب، لكنه في الوقت نفسه يبين الخطأ ويحذر من العواقب.
كما أنّ هذا الأسلوب يعزز الثقة بين الآباء والأبناء، ويشجع الأبناء على الاستماع والالتزام بالتوجيهات، وأنّ استخدامه يشير إلى أهمية الحوار المباشر بين الآباء والأبناء، إذ إنّ التربية الناجحة تقوم على التواصل المفتوح والإيجابي، بعيداً عن أساليب القسوة أو الإهمال.
عبر هذا المنهج يمكن للمربين والآباء في العصر الحديث أن يستفيدوا من هذا الأسلوب في بناء علاقة قوية مع أبنائهم، مبنية على الحب والاحترام والحوار المثمر.
وفي الختام، يمكن القول إنّ نداء "يا بني" في القرآن الكريم يعكس رؤية تربوية متكاملة تهدف إلى غرس القيم الدينية والأخلاقية في نفوس الأبناء بطريقة تجمع بين اللطف والحزم، ويعد أُنموذجاً يحتذى به في التربية الأسرية، إذ يبين أهمية استخدام الكلمات الطيبة والأساليب الحكيمة في توجيه الأبناء وبناء شخصياتهم.

✍️ زهراء محمد مهدي

__________________________________________

نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1007.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا