مفهوم حقوق الطفل في الإسلام
2024-06-20 05:37:28
221

جاء في الأثر: «وحق الصغير رحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له»..
من الطبيعي القول: إن الطفولة بوصفها مرحلة يعيشها الإنسان، لها أبعادها وتأثيراتها المتعددة في بناء شخصية الإنسان وغرس الصفات الخيرة فيه، فالتعامل الحسن مع هذه المرحلة العمرية يفضي إلى خلق عنصر فاعل ومنتج على المستويين الخاص والعام.

أما إذا كان التعامل سيئاً وبعيداً عن مقتضيات حفظ كرامته ومتطلباته الحياتية، فإننا سنساهم في خلق كائن إنساني مشوّه نفسياً وغير مستقر أخلاقياً واجتماعياً..
من هنا فإن الاهتمام بالطفل روحاً وجسداً، مبنىً ومعنىً، يُعد من الضرورات الاجتماعية والإنسانية الأساسية، التي تساهم في استقرار الأسر والمجتمعات.

ومسؤولية تربية الطفل وترقيته نفسياً وأخلاقياً وتربوياً وصحياً، ليست مسؤولية الأسرة وحدها، وإنما المجتمع عبر مؤسساته التربوية والاجتماعية والإعلامية والحقوقية، يتحمل مسؤولية أساسية في هذا السياق، حتى يتحقق التناغم المطلوب بين البيئة الأسرية والبيئة الاجتماعية، وحتى يتكامل الاهتمام النوعي بين النواة الأولى للمجتمع ومؤسساته الأخرى.. وإن أي خلل على هذا الصعيد سينعكس سلباً على الطفل وعلى البيئة الاجتماعية الحاضنة لحركة الطفل في مستوياتها المتعددة.

ومن خلال الرؤية الإسلامية والنظريات التربوية الإنسانية، نستطيع القول إن هناك مستويين في تربية الطفل وتنشئته:
1. المستوى الوقائي: الذي يحول دون وقوع الطفل تحت التأثيرات السلبية، التي قد تنشأ من نقاط ضعفه الإنسانية أو من طريقة تفكيره أو تأثير بيئته الأسرية، أو من المجتمع الذي يعيش فيه الذي قد تؤثر انحرافاته ومشاكله على الطفل في حاضره ومستقبله.

2. المستوى البنائي: والذي يستهدف بناء الإنسان الحي والحيوي والمتوازن في حاجاته المادية والمعنوية.
فمرحلة الطفولة تتطلب أن ينخرط الطفل في اللعب واللهو، وينبغي أن تتوفر في البيئة الأسرية والاجتماعية كل الأسباب المفضية إلى ذلك، وأي تقصير في هذا السياق سينعكس سلباً على تكوين نفسية الطفل!

ولعلنا لا نبالغ حين القول بأن الاهتمام بالأطفال تربوياً ومؤسسياً وحقوقياً، هو أحد معايير تقدم المجتمعات والأمم، فالمجتمعات التي لا تعتني بالطفولة، ولا تبني مؤسسات متميزة للاهتمام والرعاية والتنمية، هي مجتمعات متأخرة ومتخلفة، حتى لو تجلببت بجلباب التقدم، وادّعت أنها تمسك بناصيته.. أما المجتمعات التي تسن القوانين الحامية للطفولة، وتبني المؤسسات التربوية الحاضنة لهم، فهي مجتمعات متقدمة، حتى ولو لم تملك الثروات الاقتصادية الهائلة، فالأمم المتقدمة هي التي تهتم بأطفالها تربوياً ومؤسسياً وحقوقياً.

وعليه فإننا ينبغي لنا كمجتمع أن نقيس مدى تقدمنا من خلال هذا المعيار المهم والحيوي؛ لأنه وببساطة شديدة إهمال الطفولة يعني إهمال المستقبل، وكل أمة تهمل مستقبلها هي أمة متأخرة حتى لو امتلكت كل سلع التقدم والحضارة!

الطفل ونظراً لطراوة عوده بحاجة إلى الحياة الدافئة الهانئة، التي تقتضي الاهتمام بحقوقه النفسية والبدنية وبصحته وغذائه ونموه، وتلح هذه الحاجة عندما يكون الطفل أعجز نسبياً من أقرانه، كالمريض أو المعوق أو اليتيم..

وهو بحاجة بسبب تدفق طاقته إلى اللعب، وإشغال أوقات الفراغ بالترفيه، وكي يعتاد الحياة الاجتماعية والتعاون مع الآخرين كان الطفل بحاجة للعيش في أسرة تحضنه ويشعر فيها بالحنو، ليتولّد عنده العطف، فيمنحه هو بدوره فيما بعد لمن حوله وللآخرين، وهو بحاجة لبناء شخصيته العامة، وأول شروطها أن يتمتع باسم ووطن كغيره من الناس، يعتز به ويدافع عنه..

وحتى يعيش حياته الروحية والقيمية، هو بحاجة إلى الدين فيؤمن به ويتعرّف على حقائقه ويمارس شعائره وطقوسه..
وسيواجه الطفل الحياة بظروفها المعقدة والمتشابكة، لذلك تنبع ضرورة تعليمه وإعداده بالطرق الإنسانية المناسبة وضرورة تسهيل التعليم والتثقيف أمامه، ليستفيد من تجربة مجتمعه المختزنة في عقله الجمعي.

هذه العناصر كلها ضرورات من أجل طفولة سعيدة وسليمة، وهي القادرة على أن تمدنا بأجيال صحيحة البنية جسدياً وعقلياً وروحياً..
لذا حاول الدين الإسلامي تلبية هذه الحاجات عبر تشريعها وحث المؤمنين على الالتزام بها، كما نصت على هذه الحاجات الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الأطفال ولا سيما (اتفاقية حقوق الطفل) التي تبنّتها الأمم المتحدة في عام 1989م.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 986.
أ. محمد جاسم

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا