تقييم السلوك الأخلاقي للأطفال
2020-12-17 11:55:48
489

يحاول العديد من الباحثين والتربويين تقييم السمات الاخلاقية للاطفال في ضوء ما يشاهدونه عيانا ،فمثلا عندما أراد بعضهم تقييم درجة نزاهة وصراحة الطلاب قاموا بإجراء الاختبار التالي:

- تعطي أوراق الإملاء للطلاب بعد استنساخها سراً ويطالبوا بأن يقوموا بتصحيح الأخطاء لأنفسهم على ضوء الكتاب ثم تجرى المقارنة بين الدرجات التي يضعونها لأنفسهم وبين الأخطاء التي وقعوا فيها حسب الورقة الثانية التي بقيت لدى المعلم وفي ضوء التطابق والتباين بين النتيجتين يحدد المستوى الاخلاقي للطالب.

وهناك مجموعة اختبارات أخرى خاصة بتقييم السلوك الطلابي، وينقل الطالب في هذه الاختبارات إلى موقع افتراضي بأن يسأل الأسئلة التالية:

-إذا استعار زميلك منك القلم فما هو أفضل رد عليه؟

أن تقول أن رأسه مكسور، أن تدعي أن قلمك ضائع، ترفض إعطاء القلم بصراحة، تعيره القلم.

-إذا رأيت زميلك يغش في الامتحان ماذا تفعل؟ 

لا تخبر أحداً، تنصحه بترك هذا العمل لأنه غير صحيح، تخبر المعلم بذلك، تحاول أنت أيضاً أن تغش بالامتحان.

يعتقد بعض الباحثين بعدم صحة الاقتصار على طريقة المواقف الفرضية في تقييم مدى نزاهة وصدق الاطفال بل يجب أن نجعلهم أمام مواقف حقيقية تتيح لهم مثل الخيارات التالية: عدم إرجاع النقود، عدم أداء الامانة، الغش أثناء تصحيح ورقة الامتحان أو إغماض العينين ومحاولة إنجاز عمل لا يتحقق إلا بفتحهما خلسة.

- ورد الاختبار التالي على سبيل المثال يرى الطفل دائرة كبيرة مع عدة دوائر اصغر تتوزع على محيطها، والاختبار يتم بالصورة التالية:
يغمض الطفل عينيه ويوضع في يده قلم يؤشر رأسه بداية الاختبار في مكان ما على القسم الاسفل من الدائرة الكبيرة ثم يطلب منه أن يحرك القلم ويؤشر بعلامة "x"  داخل كل من الدوائر الصغيرة المتوزعة على محيط الدائرة الاكبر، إن نجاح الطفل في ذلك العمل بعينين مغمضتين يعد أمراً غير ممكن فإذا تمكن من ذلك يعلم بأنه فتح عينيه أثناء الاختبار.

من الصعب على المستمع أن لا يبدي تشاؤمه وامتعاضه من هذه الاختبارات خاصة في المحاولات الاخلاقية والسبب في ذلك يمكن حصره في أمرين:
- أن التقييم الكمي للمستويات الاخلاقية والفضائل الشخصية أمر مثار بحث ونقاش.

- مع كل الاحتياطات التي يتم اتخاذها يبقى هذا الاحتمال موجودا وهو أن لا تعكس هذه الاختبارات السلوك الطبيعي والتلقائي للأطفال وذلك لما تشتمل عليه من إغراء بالمخالفة.

كيف يستنبط الطفل القيم والمقررات الاخلاقية؟

حينما نعلم الطفل شيئا ما فإننا نحول دون أن يخترعه بنفسه، لأننا يجب أن نضع المجهولات أمام الطفل وليس المعلومات، فليس واجب الآباء والمعلمين هو تعليم الأطفال ما يعلمونه هم أو يريدون تعليمه بل الأهم من ذلك هو متابعة المسيرة التكاملية للطفل وتحديد حاجاته الفكرية والنفسية وتلبية ما يريده هو أو يريد تعلمه، واستناداً الى هذا يجب تجنب التوجيهات المباشرة واعتماد طريقة الاسترسال في الاسئلة لكشف حقيقة ما يدور في خلد الطفل من أحكام وتصورات.

من الشائع تداوله بين المعلمين والتربويين أن تربية الأطفال أمر شاق جداً باعتبار أن الطفل يمرر ما يسمعه من الأذن اليمنى الى اليسرى والسبب الحقيقي لذلك أن عمل الآباء والمعلمين لا يتجاوز أسلوب توجيه النصائح وتكرارها بشكل ممل على مسامع الأطفال في حال إن الصحيح هو أن يكتشف الطفل بنفسه السلوك الصحيح لا ان ندله نحن عليه الا بمقدار التدخل غير المباشر الذي يستهدف اختزال المسافة عليه.

إن طريقة توجيه الارشادات المباشرة واللفظية لا تفيد مطلقاً في تربية الطفل وتنمية حس الاستدلال لديه وحتى لو تسلح الطفل بهذه الطريقة بقدرة معينة على الاستدلال المنطقي فإن هذه القدرة سرعان ما تتلاشى وتزول وذلك لأنها سطحية ولم تترسخ في وجدانه.

والسبب في ذلك أن الطفل لم يصنع منطقه بنفسه وإنما هو منطق مصطنع فرضته عليه عوامل ومؤثرات خارجية من الترغيب او الترهيب.

ومن الطبيعي والحال هذه أن نتوقع في أي لحظة انهيار هذا البناء المنطقي المستورد والذي لم يساهم الطفل نفسه في تشييده وفق الأسس الصحيحة والدعائم الراسخة.

إن أحد الأساليب التي تساعد الطفل على بلورة منطقه الاستدلالي بما يتناسب والمرحلة التي هو فيها هو حثه على التأمل والتفكير على مستوى كل مرحلة وذلك بافتعال مآزق أخلاقية وإيجاد مناخ تتضارب فيه المصالح الشخصية والقيم الأخلاقية وبدلاً من أن نعمد نحن الى تلقينه الجواب الذي نعتقد بصحته يجب أن نتيح له الفرصة بأن يبحث هو ويتقصى ويعتمد على نفسه للعثور على الموقف المناسب.

ونستطيع أن نسترعي انتباه الطفل ونحفز فيه حب الاستدلال من خلال طرح الأسئلة التالية عليه:

- ماذا يحدث لو أصررت على هذا العمل؟ اذا تصرف الآخرون معك بهذه الطريقة ماذا ستشعر؟

إن خصوصية اللغز الأخلاقي تتجلى في حثه الأطفال وتشجيعه لهم على التفكير والتأمل من أجل أن يساهموا بأنفسهم في بناء الأنساق الذهنية التي يتربون عليها.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج العماد الراسخ- الحلقة الرابعة.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا