الآباء وسعيهم في إيصال الأبناء الى الكمال
2020-11-22 11:40:57
349

نجد أحياناً أن الأب يقول لابنه: " إنني أفعل ذلك حتى تكون الإنسان الكامل الناضج"، والابن يقول لأمه أو لأبيه: (إنني أطالبك بأن تحقق كل مطالبي حتى تكون الأب الكامل الذي يستجيب لكل مطالب أبنائه) والحقيقة الواضحة لنا جميعاً أن الكمال البشري مسألة لم تتحقق في أرض الواقع أبداً.

لم نجد أماً أو أباً قد وصلا إلى الكمال في سلوكهما مع أبنائهما وليس معنى تقرير هذه الحقائق الواضحة أمامنا جميعاً ـ في أنفسنا وفي سلوكنا الشخصي ـ أن هناك إنساناً يمكنه أن يتنازل عن الرغبة في الوصول إلى الكمال.
وحتى الإنسان الممتلئ باليأس قد يخدع كل من حوله بكلمات اليأس وهي تخفي في قلبها شعلة البحث عن أمل وشعلة من نفاد الصبر ورغبة في الوصول إلى الكمال.
وكما يقول أحد علماء النفس:  "إن كل إنسان يولد وهو طيب ومحب للخير وصاحب قدرة على الارتفاع والسمو، ولكن أسلوب التربية بالقمع وصب الأبناء في قوالب هو الذي يحول الأبناء إلى أداة تصدر الازعاج بالتمرد".

وآخر يقول: " إنني أرى الإنسان على العكس من ذلك، إنني أراه يولد وهو يملك فكرة غريبة بعض الشيء عن نفسه.

 إن الطفل الصغير يرى نفسه ككائن دميم بين كبار يعنون بنظافتهم ويحاول أن يقلدهم ولكنه لا يستطيع، ويظل يحاول أن يكون نظيفاً كبيراً مثل الكبار إلى أن يكبر، وهنا يكتشف أن الكبار يخفون داخل أناقتهم الإحساس بالضآلة، وهذا ما يجعلهم يبحثون عن الكمال دائماً" وليس من المهم أن نحدد ما هي وجهة النظر الأكثر صدقاً لأن كلاً منهما صحيح إلى حد كبير.

فالطفل الصغير بريء تماماً، يصطاد الحب بعينيه الصافيتين وضحكته اللامعة وصوته الذي لا يحمل كلمات محددة ولكنه أكثر جمالاً من كل الأصوات، والطفل الصغير شرس تماماً، يرفس كأنه حصان جامح، ويصرخ بلا مبرر، ويقف أمامه الكبار حيارى لا يحسنون التصرف تجاه هذه (الكارثة) الصغيرة التي لا تملك القدرة على أن تشرح نفسها، وبعد ذلك يكف الطفل عن الصراخ وينام، ويهدأ جو الأسرة ونجد الأم تغمر وجه الطفل النائم بالقبلات، ونجد الأب وهو يربت على وجنتي الطفل بحنان.

إذن، هناك مساحة من الكراهية تتضح لنا فجأة، وهذه المساحة تفصل بين الآباء والأبناء في بعض اللحظات، وتتبعها مساحة من الحب الفياض.
ونلوم أنفسنا نحن الكبار لأننا كرهنا الزواج والإنجاب في بعض المواقف عندما يتصرف الابن تصرفاً غير لائق، كما نلوم أنفسنا عندما نشعر بالذنب لأننا قسونا على الأبناء في بعض المواقف.

وبين لوم النفس للكراهية الطارئة ولوم النفس للإحساس بالذنب تمضي في بعض الأحيان حياتنا مع الأبناء وكأنها قطار سريع جداً، لاهث جداً، لا يتوقف عند محطات التفاهم العميق، بل غالباً ما يتوقف عند لحظات الألم، وقليلاً ما يتوقف عند لحظات السعادة العميقة.

وليتنا فهمنا أن المال والأبناء هما (اختبارات حياتية) يجب أن نتعايش معها بأن نفعل الصالح بالمال ونفعل ما يصلح حياة الأبناء، وأن نسمع للأبناء جيداً وأن نتفهم ظروفهم على قدر المستطاع، وأن ننفق الخير لا من المال فقط ولكن من عطاء الأحاسيس، وبذلك يصبح المال والأبناء كالأرض التي نحسن فلاحتها فتعطينا الثمار المرجوة.

إذن، فمن الرائع أن نقيم وقاية بيننا وبين شح النفس فالبخل كما نعلم ليس بخل المال فقط، ولكن البخل الأكبر مستمعاتنا هو البخل في التفاعل من الأبناء والاندماج معهم في مشاريع مشتركة صغيرة، والصبر عليهم أثناء أداء أي عمل، وتعليمهم الخطأ من الصواب بعاطفة منضبطة.
 ومع أن هذا هو أسلوب التعامل المثالي مع الأبناء، فإن هناك أيضاً لحظات ننفجر فيها غضباً ويكون سلوكنا مع أبنائنا خاطئاً. وما دام الإنسان يغضب ويعود إلى هدوئه، فإن الابن يقدر ذلك.
وإذا كانت تربية الأبناء (اختباراً) لنا فإن كل إنسان يرغب في النجاح في أي اختبار أو امتحان يقابله.

إن على الإنسان ـ الأب أو الأم ـ أن يتجاوز الإحساس بالذنب الذي يتأرجح فيه بين الإحساس بالألم النفسي وبين عقاب الأبناء، وعليه أن يسير على أرض الواقع.
واعلمي دائماً أيتها الأم ـ انك لن تحققي الكمال في تربية ابنك لأنك، بدورك، إنسانة لك ضعفك ولك قوتك. وابنك أيضاً لن يحقق الكمال الخلقي والنفسي والحياتي، إنما سيحقق بعضاً منه، هذا هو الواقع.

ولأن هذه هي صورة الواقع، فإن على الإنسان منا أن يأخذ نفَساً عميقاً ويقبل على التعامل مع أبنائه على أساس أنهم بشر وليسوا مجرد آلات عليها أن تستجيب للأوامر، وعلى الإنسان أن يقبل على أبنائه من دون خوف من وجود بعض المشاكل في حياتهم، لأن الحياة من دون مشاكل هي الموت بعينه.
إن أغنى أغنياء هذا الزمان له مشاكل مع أبنائه، وأفقر الفقراء له كذلك مشاكل مع أبنائه.

إذن، فالمسألة أيضاً مسألة تربية لا علاقة لها بالثراء المالي، ولكنها في الأساس فن التعامل مع الأبناء بروح من التفاعل ومنحهم الإحساس بأننا نحن الكبار بجانبهم، ويمكننا أن نتفق معهم ويمكنهم أن يختلفوا معنا، ولكن ضمن حدود معينة.

إن إحساس الابن بأن والده حازم وحنون وأن أمه حازمة وحنونة يؤكد إحساس الابن بثقته بنفسه وبالعالم المحيط به.

وقد لا يملك الأب المال الكافي لأن يشتري لابنه اللعب التي يلعب بها أقرانه، ولكن هذا الابن إن وجد الأب والأم بجانبه يحذرانه ويقيمان له أعماله، ويدلانه على الصواب والخطأ، فإن هذا الابن ينمو في هذا العالم وهو محب للحياة، وهو يعرف أيضاً كيف يعامل أبناءه عندما ينجب أطفالاً.
من المهم أن تكوني بجانب ابنك ولا تضعيه في قالب من القهر وأن توجهيه بحزم، وبذلك لا يخرج إلى العالم وهو اداة بل يخرج إلى العالم أميراً سعيداً.
ومن المهم أن تكوني بجانب ابنك حتى لا يعاني من الإحساس بأنه ضئيل، بل تساعديه على النضج حتى يتعلم كيف يدير أمور حياته على نحو سوي.

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ربيع المستقبل- الحلقة الثانية.

 

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا