المحمل الحسن
2020/08/24
13786

إن أغلب الناس في تقييمهم للأشخاص، يعتمدون على القول، ولكن نجد ان امير المؤمنين علياً (ع) يقول: (أيها الناس!.. من عرف من أخيه وثيقة في دين، وسداد طريق؛ فلا يسمعن فيه أقاويل الرجال.. أما إنه قد يرمي الرامي، وتخطئ السهام، ويحيل الكلام.. وباطل ذلك يبور، والله سميع وشهيد.. أما إنه ليس بين الباطل والحق إلا أربع أصابع، وجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: الباطل أن تقول: سمعت، والحق أن تقول: رأيت).

إن كثيراً من الأخبار مصدره قال: فلان، وقيل: كذا.. وهذا يسبب الحقد والعداوة وتفريق صفوف المؤمنين وتشتيتها وفي حديث قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)!.

والغريب أن بعض الأقاويل، أو بعض التهم منقولة من الصحف، ولا يعلم من قائلها؛ فأين ذهب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}؟..
 
فإذن، إن وظيفة المؤمن عندما يسمع من أخيه كلمة سيئة؛ أن يعمل بهذه الروايات: ورد عن رسول الله (ص) قوله: (إحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير).. وعن أمير المؤمنين (ع): (لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا)!. 

وعن الامام الصادق(ع): (إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه).  

هناك وظيفتين -حسب الظاهر- مختلفتين، ولكنهما وظيفتان، وهما: الحمل على الأحسن، والحيطة والحذر.. فالحمل على الأحسن مع وجود الأجواء المفسدة؛ أمر صعب.. ولكن المؤمن في نفس الوقت الذي لا يبالي فيه بكلام الآخرين، أيضاً عليه أن يحذر ويدفع البلاء قبل نزوله؛ فالإنسان عندما يحمل فعل أخيه على محمل حسن، ثم يتبين أنه فاسق فاجر، هو لم يخسر شيئاً وأما العكس: إذا لم يحمله على محمل حسن، وتكلم عليه وأسقطه من الأعين، ثم تبينت براءته؛ فهنا الكارثة !.. يوم القيامة لا يقال: لِمَ لم تتكلم على فلان؟.. بل يقال: لمَ تكلمت على فلان، وأنت لست على يقين؟.

 قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله): (احمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير) فما أحوجنا في عصرنا الحاضر إلى أن نطبق هذه المقولة في حياتنا اليومية الاجتماعية ، و اعتماد مبدأ حسن الظن فأغلب مشاكلنا اليوم أصبحت مبنية على الشكوك و الظنون والأوهام أو مثلما يقال ( مثل فقاعة هواء) فمن مجرد كلمة بسيطة أو موقف بسيط نسارع إلى تحليله وتفسيره بشكل سلبي وننسج حوله أفكار سوداء ومقيتة حتى تنتج عنها مشكلة كبيرة في منظارنا بينما هي لا تحتمل كل هذا التأويل.

في علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية، بين الأب وابنه والزوج وزوجته وبين الأخوة والأصدقاء والجيران والأقارب يجب أن تبنى العلاقة على أساس من التسامح وتقييم المواقف والأفعال على مبدأ عدم سوء الظن، فعند الحكم على الآخرين يجب علينا التمهل وعدم التسرع في تفسير المشهد الحادث وسوق الاتهامات دون أن نجد لها في بادئ الأمر المبررات أو البحث عن الظروف التي كانت السبب وراء حدوث الفعل، فنحن في نهاية الأمر أناس ليس لدينا علم بالغيب وليس لدينا علم بما يختلج في صدور الآخرين وضمائرهم.

فهذا شخص ألقى كلمة بدون قصد فكانت السبب لقطع علاقة بينه و بين صديقه، وهذه تأخرت عن زيارة جارتها المريضة فاتهمت بعدم المبالاة وعدم احترام قواعد الجيرة دون معرفة الموانع التي منعتها من الحضور، وهذا الزوج لم ينفد ما طلبته منه زوجته لسبب ما فنشب الخلاف بينهما وحل محل المودة والرحمة الجفاء والعداء، وكثيرة هي الأمثلة على ذلك فعند مواجهة موقف معين لا تبدأ بسوق التهم بل أبدأ بسوق المبررات، فإذا عجزت عن إيجاد مبرر مقنع لما حدث فلا مانع من مصارحة الشخص المعني بالأمر والتوضيح له أنك فهمت الموقف بهذه الكيفية و ذلك المعنى فأن كان يقصد ذلك فعلا فالمصارحة أحد الطرق الموصلة لحل المشكلة وإن لم يكن يقصد ذلك، فسوف يعرض لك مبرراته و يبرأ ساحته و قد يعتذر لك عن ما بدر منه و انه لم يكن في نيته أن تفهم الأمر كما فهمته من جهتك و بذلك تخلصت من سبب قد يؤدي إلى وقوعك في مشكلة ما، فالحياة أقصر من أن نضيعها في خلاف مع هذا أو عداوة مع ذاك.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج منار السبيل- الحلقة الأولى-الدورة البرامجية57.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا