الأسرة وبناء التفكير
2020/07/13
474

إن بناء الشخصية أيتها الاخوات العزيزات مرتبط ببناء التفكير، وبناء التفكير مرتبط ببناء الفرد في الأسرة، والكثير من الأسر تنمي في أفرادها روح التفكير الابتكاري فينشأ الفرد وقد أخذ دروساً عملية كثيرة في عملية التفكير، ولذلك نجد أن كثير من العلماء والمفكرين قد كونوا بؤراً مفكرة في المجتمع، فتجد أن الأسرة كلها قد تحولت الى عناصر تفجر الإبداع في جوانب عديدة، فهذا الابن الأكبر اصبح عالماً مفكراً وذلك الثاني أصبح كاتباً بارعاً، والثالث تحول الى مخترع ومبتكر في إحدى مجالات العطاء والابتكار إن عدداً كبيراً من أعلام الأدب والعلم والشعر عبر التأريخ قد تمت رعايتهم في أسرتهم، ولولا تربية أمهاتهم وابائهم الكرام لهم لما احتل هؤلاء مكانتهم بين الإعلام المبدعين.

ثم أن للأسرة دوراً واضحاً في تفكير الطفل الابتكاري من خلال سلوكه في اللعب، ومدى إفساح الأسرة لهذا الطفل في تنمية تفكيره الابتكاري، فالركض والجري واللعب بالعصي وغيرها والتي تبدو للناظر انها تافهة وعابثة هي اساس تكامل جسد الطفل وروحه ( وإن اللعب يبعث القوة في عضلات الطفل والمتانة في عظامه كما انه ينمي فيه القدرة على الابتكار ويخرج قابلياته الكامنة الى حيز الفعل) ولذلك أشار الإمام الصادق بقوله (ع): « الغلام يلعب سبع سنين ويتعلم الكتاب سبع سنين يتعلم الحلال والحرام سبع سنين وعنه ايضا (ع): « دع ابنك يلعب سبع سنين ». 

إن وجود مكتبة .. وصحف .. ومجلات ونشرات مختلفة في البيت ايتها الاخوات تساهم بشكل واضح في بناء المادة الفكرية للأبناء .. ولذلك فكثير من الأسر التي لا توفر اجواء المطالعة والمكتبة يعاني أبناؤها من الفقر الفكري، ولذلك فإن بيوت العلماء والمفكرين تخرج علماء ومفكرين، في حين بيوت الصناع تخرج الصناع، فالجو العام في البيت له تأثيره الكبير في بناء الفكر المطلوب للأبناء بشكل متكامل  ومما يذكر أن بيوت اليابانيين يتكون بالإضافة الى لوازم المطبخ وغرف النوم والأكل من مكتبة ثابتة وعدة رفوف من الكتب في أرجاء مختلفة من البيت. 

فضلاً عن كل ما ذكرنا أيتها الكريمات لا يكفي أن تكون الأجواء في البيت تدعو الى استلهام الفكر وبنائه، بل لابد أن يسود هذه الأسرة ذلك النوع من الحوار الهادئ الهادف في مناقشة كثير من الأمور الفكرية الحساسة والتي تدعم وترسخ عن طريق الحوار الهادف بين الأبناء من جهة والآباء من جهة أخرى، وهذا ما نلاحظه في كثير من الأسر التي تدعم بالحوار لتجد أن الأبناء يتمتعون بنضوج فكري في كثير من الأحيان، 
ولا يخفى أهمية الحوار في بناء الفكر وترسيخ وتثبيت الكثير من العطاءات الفكرية الهامة في الأبناء.. وهكذا فإن الأسرة لها تأثير كبير في بناء الفكر في أبنائها بل أن للوالدين أثراً فكرياً على الفرد قد يستمر حتى بعد استقلاله التام، ويعود ذلك الى عدة اسباب منها صعوبة اقتلاع الأفكار بعد رسوخها أيام الصبا، ويبدو أن رسوخ الأفكار يتطاول في بعض الأحيان على التغيير، الا إن ذلك تطاول ناشىء من غفلة الشخص، واستهانة بإعادة النظر في ما اكتسبه أيام الطفولة، مما يدل على أن استمرار الوالدين ليس حتمياً، بالاضافة الى أنه يذهب فريق من علماء النفس الى أن الانسان لا يمر عليه وقت إلا وكان يرتاب من سابقياته، كالأيام الأولى من الشباب حيث تعصف به مشاعر استقلالية عنيفة تدعوه الى التجرد من افكاره السابق هذا وإن احترام الانسان لوالديه يستمر بعد أيام الطفولة، ويكون هو السبب في نشوء حسن التقليد لديه، ويكون هو أيضاً السبب في استمراره بالرغم من أن احترام أحد لا يفرض عليه اتباعه فرضاً حتمياً. 

إن التخلص من أفكار أحد يستتبع ـ بالطبع ـ تخطئة هذا الشخص، وحب الآباء لا يدع الفرد يخطئ والديه، فالحب هذا مصدر استمرار اتباع الوالدين والملاحظة، إن السبب لا يوجب حتمية الاتباع إذ انها جميعاً ناشئات العواطف والغفلة والاحترام مما لا يذهب بقدرة الانسان على التفكير الحر. 
" واذا قيل لهم تعالوا الى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا اولو كان آباؤهم لايعلمون شيئاً ولا يهتدون ".

إن كلمة (حسبنا) في هذه الآية ذات دلالة بليغة على أن سبب اعتماد الناس على آبائهم هو الاتباع الثقافي، اذ ان افكار الآباء تجعلهم مكتفين ـ في زعمهم ـ عن اتعاب البحث فاذا كان الفكر والثقافة التي تغذي الأسرة ابنائها ثقافة رسالية، فإن رسوخها بالاضافة الى رساليتها يكون أثر الوالدين واضحا في تثبيتها .
ومما يذكر مستمعاتي كان الامام على (ع) يلقي خطبة الجمعة في المسجد في المسلمين، وعند عودته الى المنزل يجد أن الحسن والحسين (ع) يحفظان الخطبة، ويقومان بنقل الخطبة الى والدتهما فاطمة (ع)، فأراد الامام معرفة الطريقة التي استطاع بها الحسنان ( ع) التوصل لذلك، فكانت النتيجة أن الحسن والحسين (ع) كانا يذهبا الى المسجد، ويعودان قبل مجيء الامام علي (ع) ويرويان الخطبة لأمهما فاطمة الزهراء (ع).

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج أسرتنا إلى أين؟- الحلقة الثالثة- الدورة البرامجية56.

 

 

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا