التفاضل السلوكي والفكري والروحي
2024/04/21
171

لو لاحظنا الموجودات، نجد أنها تتفاضل بعضها على بعض بأمور تكوينية، كتفاضل الإنسان على الحيوان والحيوان على النبات والنبات على الحجر وهذا التفاضل الذاتي قد أعطي من الله تعالى على وفق مصالح خاصة، ولا دخل للإنسان في كونه إنسانًا.

وهذا إن استلزم تفاضلًا معينًا، ولكنه لا يرفع من درجة الإنسان، لأن كونه إنسانًا جاء من الله تعالى من دون جهد وعمل منه. ومن الخطأ أن يقيس المؤمن نفسه الى الحجر أو الى بهيمة ويقول أنا أفضل منها، فإن هذا ليس فعل العاقل، ولا دخل له في تكامل الإنسان الأخلاقي والوجودي. 

وهناك تفاضل تشريعي ينشأ من فعلٍ يقوم به الإنسان بإرادته، كالعلم والتقوى والإيمان والجهاد، وهذا النوع من التفاضل هو الذي يلتزم الثواب والأفضلية ويستحق به فاعله الحمد والثواب، وهو ما ينبغي أن يعمل المؤمن على تحصيله بكل ما أوتي اليه من سبيل.. هناك من يريد إلغاء مبدأ التفاضل في الإسلام على أن الإنسان بمجرد أن يتشهد الشهادتين فلا بد أن نحكم بصحة عقيدته وبتساويه مع جميع المسلمين على كل الأصعدة، لذلك لا يجوز لنا أن نحكم سلبًا على بعض التصرفات التي تصدر من بعض من تشهد الشهادتين بلسانه حتى إن كانت تلك التصرفات منافية لمبادئ الإسلام، بل صريحة بارتكاب محذوراته. 
ولكن القرآن الكريم يرد على من يريد أن يؤسس لهذا الأمر ويؤكد على مبدأ التفاضل في الإسلام في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة، فيقول عزّ من قائل (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

إن حصول المؤمن على أوسمة كمالية تزيد في كماله وتجعله من الأفضلين والأكرمين لا يستلزم تكبره على غيره من البشر ولا يستلزم سيادته الدنيوية عليهم أو جعلهم تحت سلطته كما يفعل أبناء الدنيا عندما يكونون في موقع الأفضل دنيويًا وانما تلك الملاكات التفاضلية تجعل من الإنسان كريمًا عند الله تعالى ولا يتنافى هذا مع إكرام الناس له واحترامه لكن ليس من ذاتيات التفاضل في الإسلام هو ذلك ولذا نجد أن الأنبياء عليهم السلام وهم يمثلون الخط الأول للكمال الوجودي قد اوذوا كثيرًا من أقوامهم وفي الوقت نفسه تجدهم على مستوى عالٍ من التواضع واحترام الآخرين فهذا نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) كان من سيرته أنه كان يأكل أكل العبد ويجلس جلسة العبد وكان يأكل وينام على الأرض وما كان (صلى الله عليه وآله) يأكل متكئًا على يمنيه ولا على يساره ولكن كان يجلس جلسة العبد تواضعا لله عز وجل. وانه كان (صلى الله عليه وآله) يكره أن يتشبه بالملوك. 

ولذلك أمرنا ديننا باحترام الجميع، أما من هم أكبر سنًا منا فلأنهم أكثر خدمةً منا للدين وأكثر طاعة لله تعالى وأما من هم أصغر منا فلأنهم أقل ذنوبًا منا، وأما الذين بأعمارنا فلأننا نعلم بذنوبنا ولا نعلم بذنوبهم. 

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) "الناس صنفان اما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، وهذا ينتج بأن الأساسيات التي ذكرها القرآن الكريم للتفاضل مبنية على نظرة القرآن الكريم الواقعية للحياة وللإنسان التي ترى أن السعادة الحقيقة والفوز الحقيقي إنما هو بلحاظ عالم الآخرة كما يقول تعالى: (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) وعليه فلا يغفل أحد ويعترض بقوله إننا نرى أن الكثير ممن حصل
 على بعض تلك الاساسيات يتجرع الأمرين في الدنيا فإن جواب هذا بات واضحًا إن شاء الله.

والحاصل أن بني البشر في الوقت الذي اتحدوا في أصل واحد رجعوا اليه، قد تفاضلوا فيما بعد بأمور مختلفة، بعضها من نسج الخيال وبعضها أمور واقعية والإسلام له نظريته الخاصة في التفاضل تقوم على خمسة (العلم، الإيمان، العمل الصالح، التقوى، الجهاد).

 
ويتبادر سؤال الى أذهاننا: هل الناس على مستوى واحد أم أنهم مختلفون؟ 
من الأمور الفطرية لدى الإنسان هو حب الكمال فتجد كل إنسان يحب أن يكون كاملًا وأفضل من غيره، ومن الأمور الوجدانية أن الناس عمومًا مختلفون فيما بينهم بأمور أكثر من أن تحصى وأن مفهوم التفاضل بينهم يعمل عمله في علاقاتهم وصداقاتهم وكثير من مفردات حياتهم.

ولكن كيف يكون أحدنا أفضل من غيره وما المعايير التي يتفاضل بنو البشر على وفقها؟ 
لقد مر مفهوم التفاضل بأدوار عديدة تبعًا لحضارات وثقافات بني البشر، فبعض الثقافات تقول إن أساس التفاضل هو كثرة الأموال وكثرة الأولاد. وبعضها يذهب الى أن الأساس هو الجاه والسلطة والتسلط وبعضها يذهب الى النسب والحسب، ولكن الإسلام يقول إن التفاضل يكون على أساس الحصول على ما من شأنه أن يساعد في الحصول على السعادة الأبدية عند الله تعالى يوم المعاد، لا السعادة المؤقتة في الدنيا.

وهناك عالم القيامة لا تنفع الأمور المذكورة أبدًا، فأما عن المال والأولاد فيقول تعالى (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) إذن لا المال ولا الأولاد ولا العشيرة ولا أي شيء آخر ينفع في يوم القيامة ولا يتفاضل بهذا بعض على بعض.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج ميزان التفاضل - الحلقة الثانية - الدورة البرامجية 79.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا