حفظ الأسرار الزوجية
2020/01/31
1836

لقد جاءت التعاليم القرآنية والتوجيهات النبوية والمبادئ التربوية والإجتماعية السليمة بما يكفل المحافظة على كيان الأسرة المسلمة ويزيد متانة روابطها وتماسك علاقة أفرادها؛ لتبقى العلاقة الزوجية سامية وسالمة من الأمراض المعنوية والمشكلات الأخلاقية والأحداث المؤلمة المبكية، ومن ذلك الأمر بالستر وحفظ أسرار الأسر، والنهي عن كل قول وفعل يجلب لها ضرراً أو يمنع عنها نفعاً.

ويمكن أن نعرف أسرار العلاقة الزوجية بأنها جميع الأحداث والأحوال وما يصاحبها من أقوال وأفعال داخل الأسرة التي لا يرغب أحد أفرادها أن يعرفها الآخرون.

هذه الأسرار الزوجية قد تكوت إيجابية "أسرار حسنة" أو سلبية "أسرار سيئة"، فالأسرار الإيجابية عندما تُفشى وتُذاع عند الآخرين فإنها قد تولد في نفوس بعضهم ما لا تحمد عقباه من حسد أو حقد أو كره ومكر، ولأن هذه العواقب تحدث حقيقة في نفوس بعض البشر.
فقد حذر يعقوب (عليه السلام) ابنه يوسف (عليه السلام) من إخبار إخوته بالرؤية التي رآها، قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}، فالحدث إيجابي، وأوصى يعقوب (عليه السلام) يوسف (عليه السلام) بعدم إفشائه حتى لإخوته؛ لكيلا يحدث شيء من تلك العواقب السيئة.

وقد تكون الأسرار الزوجية سلبي-إما خُلقية أو خَلقية- وعندما تُفشى هذه الأسرار يقع المتحدث بها أولاً في الغيبة التي حرمها الله عز وجل، وتوعّد عليها رسوله (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}، ومنها أيضاً بسبب قلة العقل والدين.
عزيزتي القارئة، كثير هن النساء اللواتي يرتكبن خطأً كبيراً، وهو إخبار الآخرين بكل ما يخصّها، متناسية تماماً أنه ليس من اللائق أبداً إخبار الآخرين عمّا يحدث في بيت الزوجية. فأسرار البيت أمانة يجب على الزوجة المحافظة عليها، وتفريطها بها يذهب ثقة زوجها بها، فاحذري عزيزتي الزوجة أن تكون أسرار بيتك موضوعاً لثرثرتك أو فضفضتك، كما قد يُخيَّل إليك ولا تظني أن صديقتك ستحفظ سرّك الذي ضاق به صدرك، صدَق الشاعر حين قال:

إذا ضاق صدر المرء عن سرِّ نفسه  ....    فصدر الذي يستودع السرُّ أضيق

زيادة على ذلك فإن الزوج إن علم أن زوجته تُخبر الآخرين عن أسرارها قد لا يغفر لها هذا الخطأ؛ لأنها لم تكن أمينة عليه وعلى ما يخصّه، لكن المرأة قد تخبر الآخرين بهذه الأمور دون أن تعلم أنه من الخطأ إطلاعهم عليها.
لا شك أنه ليست هناك أيُّ علاقة زوجية تخلو من المشاكل، وقد تحل هذه المشاكل ببساطة بودِّ الطرفين لبعضهما البعض وبالتفاهم الذي يجمعهما، لكن قد يحدث العكس إن تدَخّل طرف غريب في الموضوع، بل هذا قد يجعل الأمور تزداد سوءاً، والمرأة التي تخبر عائلتها بخلافاتها مع زوجها، قد تخلق بين زوجها وأسرتها حاجزاً لا يزول.
فالمرأة التي تفضح أسرار زوجها، سواء تعلق الأمر بتجارته أو بعمله يُعتبر خيانة للأمانة، قد يسبب لها هذا الفعل ولزوجها مشاكل لا تنتهي.
إن ترويج الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها ونشر أسرار بيتها، غالباً ما يصنع القلق أكثر مما يجلب الراحة، صحيح أن الراحة قد تكون آنية وعاجلة لكن القلق حتماً سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وتجني الزوجة الندم والخُسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية.
إن للأسرار أنواعاً ودرجات ، فإن أسرار البيت ليست على درجة واحدة من الأهمية، فهناك أسرار العلاقة الخاصة بين الزوجين، وهذه يجب أن تحتفظ بها الزوجة في بئر عميق داخل نفسها وكذلك الزوج، وهناك الأسرار المتعلقة بالخلافات بين الزوجين، وهذه تقدَّر بقدرها، والزوجة العاقلة هي التي تحفظ هذه الأسرار ولا تنقل منها إلا ما يعالج المشكلة ولكن ليس إلى صديقاتها أو قريباتها، بل إلى من تتوسم فيهم الحكمة ليحققوا النصيحة الإلهية:{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}.

ويجب ألا تبادر الزوجة إلى ذلك بمجرد حدوث المشكلة، وألا تفعل ذلك مع كل صغيرة وكبيرة، فما أكثر المشكلات التي لا تحتاج إلى تدخل من أحد بل إن مجرد حنكة الزوجة وصبرها تذيب تلك المشكلة.

وهناك الأسرار المتعلقة بخصوصيات البيت، وهذه أيضاً لا يجوز نشرها حتى تصبح الأسرة كتاباً مكشوفاً أمام الآخرين، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}.

قال بعض المفسرين عن هذه الخيانة: إن امرأة نوح كانت تكشف سره، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة عن قوم نوح به، أما امرأة لوط فكانت إذا استضاف لوط أحداً أخبرت أهل المدينة ممن يعملون السوء، وهذا الفعل عبَّرت عنه الآية الكريمة بالخيانة وما أعظمها من صفة تسقط الزوجة من عين زوجها.

إن ديننا الإسلامي قدّس الحياة الزوجية باعتبارها رباطاً وميثاقاً يقوم عليه صلاح الأسرة وصلاح المجتمع، وقد شرّع الإسلام من التشريعات ما يضمن سلامة الحياة الأسرية، وقد أثنى الله النساء الصالحات بقوله تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.

إن من أبرز أسباب إفشاء الأسرار الزوجية عدم قدرة أحدهما على الصبر لما يعانيه من مشكلات وأزمات في أسرته، مما يدفعه إلى إفشائها إما بحثاً عن علاج وإما تخفيفاً من ألم الكتمان، ومنها كذلك قلة العقل والدين، فالعقل السليم يمنع الإنسان من التحدث بأي حديث قد يجلب له ضرراً أو يدفع عنه خيراً، والدين يردعه عن كل قول وفعل لا يرضاه الله ورسوله(صلى الله عليه وآله). 

ومن الأسباب كثرة الإختلاط، فعندما تجلس الزوجة مع الآخرين لمدة طويلة فإنه لابد أن تتحدث فيكثر الكلام حتى يصل إلى تلك الأسرار، وأيضاً بسبب عدم جلوس أفراد الأسرة (الزوجين والأبناء) مع بعضهم كثيراً، حتى يتكلم كل فرد للآخر، مما يجعل بعض أفرادها يضطر إلى الحديث عمّا في نفسه إلى الآخرين، ومن بين الأسباب الكبر والغرور اللذان يدفعان الإنسان إلى التنباهي بما يملك وما لا يملك والحديث به أمام الآخرين.

وقد وصف الحكماء مَن يفشي أسراره بأنه ضيِّق الصدر قليل الصبر، كما وصفوه بالغافل عن حذر العقلاء ويقظة الأذكياء، كما قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام): ((سّرك أسيرك، فإن أفشيته صرت أسيره))، كما أن الرجال يفضلون المرأة الكتوم التي لا تفشي سرّاً أو تنقل كلاماً.

إن نقل أسرار العلاقة الزوجية –أسرار البيت- خارج نطاق الأسرة الزوجية يعني ازدياد إشتعال نارها، وإضرام نار العداوة والبغضاء بين الزوجين إضراماً يذهب بما بقي من أواصر المحبة بينهما، وكتمان الزوجين أسرار بيتهما يعقبه السلامة وإفشاؤه يعقبه الندامة، وصبرهما على كتمان السر أيسر من الندامة على إفشائه، وإنْ نفذ الصبر على كتمان السر ثم عجزا عن إيجاد العلاج له بنفسيهما. 

أخيراً عزيزتي الزوجة، عليك حفظ أسرار العائلة وعدم نقلها خارج عشِّ الزوجية؛ لأن حفظ أسرار البيت من أهم عوامل نجاح الحياة الزوجية وإستمرارها.



 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مساكن طيبة - الحلقة التاسعة - الدورة البرامجية 32.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا