العناد بين الزوجين
2020/01/27
4880

إن من أكبر المشاكل التي تعترض الحياة الزوجية مشكلة العناد، فالعناد والتصلب في الرأي والجمود وعدم المرونة تُضفي على الأسرة جوّاً خانقاً وتنشر في البيت ظلالاً قاتماً، وتهيئ المناخ لنفثات الشيطان وهمزاته، مما ينذر بالإقتراب من الخطر، ولذلك فإن مراعاة كلا الزوجين لطباع الآخر ومحاولة التكيّف والتفاعل مع ما يصعب تغييره أمر يحتمه الذكاء الزوجي.

فعناد الزوجة وتصلب رأيها ومخالفتها الزوج.. كل هذه الأمور تدفع الزوج إلى طريق شائك قد ينتهي بما لا تشتهيه النفوس، والعناد من أكبر المشاكل الزوجية، ولست أدري ماذا يضير المرأة إن هي أطاعت زوجها ونفذت رغبته؟! أتظن أن في ذلك إنتقاصاً من قدرها؟! كلا والله.. فما كانت الطاعة يوماً إنتقاصاً من قدر الإنسان، فقد شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تسير الحياة وفق قوانين ونواميس ونظم، فلابد من رئيس ومرؤوس وتابع ومتبوع، فالزوج رئيس الأسرة وليس هذا يعني تسلُّطه أو تجبُّره أو ظلمه للمرأة، بل يعني أنه موجَّه لدفة الأسرة، ومتحمل للتبعات والمسؤوليات، وما من أحد في هذه الحياة إلا يسمع الآخر ويُطيعه ولو بشكل من الأشكال.

عزيزتي القارئة، إن العناد عاطفة قوية ومركّزة وليس منطقاً كما يعتقد البعض، وبما أن المرأة عاطفية أكثر من الرجال، فإن عنادها يكون أقوى تركيزاً منه، بهدف إقناع الرجل بشخصيتها، وإيقاعة في حبائل الحيرة أحياناً؛ ليضطر إلى تغيير موقفه منها.

أيتها الزوجة الكريمة: اعلمي أنك بهذا العناد تسعين نحو خراب بيتك بيدك، فالزوج له طاقة، وقد ينفذ صبره وتجنين من وراء فعلك ما تكرهين، ثم إن هذا الذي تفعلينه من عناد زوجك وعدم طاعته لا يقرُّه الشرع ولا دين ولا عرف، فقد جعل الله سبحانه وتعالى للرجل والقوامة على المرأة، وفرض عليها طاعته.
إن طاعتك لزوجكِ إنما تنعكس آثارها عليك في بيتك، أولاً باحترام زوجك وإجلالك وعلوِّ قدرك عنده، ثم رضا الله عز وجل عنكِ وهو خير ما يكسب المرء في الدنيا.

هنالك الكثير من الأسباب التي تدفع الزوجة إلى العناد، قد تكون هذه الأسباب ترتبط بنشأتها منذ الصغر، فقد يكون عناد الزوجة طبعاً فيها يضرب بجذوره إلى مراحل حياتها الأولى، نتيجة تربية خاطئة في الطفولة أو تقليد الأم، إن العناد قد يأتي أيضاً من قبل الزوجة تقليداً لسلوك أمها مع أبيها، فالمرأة التي نشأت وترعرت في بيت تتحكم فيه الأم وتسير دفَّته، تحاول أن تحذو نفس الحذو في بيتها ومع زوجها، فحين يدخل العناد بين الزوجين ينسف الإحترام المتبادل والتفاهم والإتفاق ويُبدل جحيماً الحياة الزوجية، فالعناد ينكّد على الزوج ويجعل عيشته سوداء ويعكّر مزاجه دائماً ويوتّر أعصابه باستمرار، العناد المتكرر من الزوجة أو الزوج يجعل الراحة معدومة في البيت والحياة جحيماً لا يُطاق، وما لم يتعسَّف الزوج في استخدام حقه، فإن مخالفة الزوجة لأمره نوع من العناد العملي؛ فإذا نهاها عن أمر لا يرضاه وأصرّت على ارتكابه فهذا العناد بعينه، وإن طلب منها ألا تلبس ذلك اللباس؛ لأنه لا يعجبه فأصرَّت على لبسه، فهي تعانده وتقف ضده أي تعصيه، وقد قالت الإعرابية توصي ابنتها ليلة زفافها: "كوني له أمةً يكن لك عبداً، ولا تُشي له سرّاً ولا تعصي له أمراً؛ فإنك إن أفشيت سرّه لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أو غدرت صدره".

ويُعد العناد بين الزوجين من أحدهما أو كلاهما أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم المشكلات بينهما، ولا يخفى على أحد ما يترتب على العناد السلبي من آثار نفسية وتربوية وانفعالية على الزوجين وأولادهما.

مما لا شك أن العلاقة الزوجية القائمة على التفاهم، والوضوح والتضحية والتسامح والتجاوز عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات تساهم في إستمرار الحياة الزوجية وقوَّتها بمحبة ومودة واحترام، أما إن قامت العلاقة بين الزوجين على الأنانية والعناد، وتصيّد الأخطاء والمشاجرات المستمرة على كل صغيرة وكبيرة، فإن ذلك يسرِّع بتصدع الأسرة وتهدمها، ويُشتِّت شمل أفرادها، وقد يقضي على كيانها.

والعناد السلبي بين الزوجين يأخذ أشكالاً مختلفة، فهناك عناد مفتقد للوعي والإدراك والنضج، مثل إصرار الزوجة على شراء أشياء كمالية لا داعي لها، وظروف زوجها المالية لا تسمح؛ مما يورِّط الزوج في مشكلات عديدة، ويُحدث بينهما فجوة وشقاقاً وهناك عناد مردّه الغيرة لا يقوم على أي أسباب أو دوافع منطقية؛ إنما هو تصريف لمشاعر الغيرة عند المرأة أو عند الرجل، خاصة ذلك الذي يرصد تقدم زوجته علمياً أو مهنياً أو مالياً مع بقائه هو على نفس حاله ودرجته.

صفة العناد السلبي في الإنسان تُبيّن عدم القدرة على التوافق والتكيّف مع الظروف البيئية من حوله، وافتقاده لواحد أو أكثر من مقوِّمات الشخصية الإيجابية، كالثقة بالنفس وتحقيق الذات أو عدم استيفاء حقوق أساسية في حياته، أو عدم إشباع رغبات واحتياجات، والتي غالباً ما تكون خفيّة على من حوله.
وفي حالات العناد الأسري ينصح الآباء والأمهات بضرورة مراعاة طرق التعامل واكتساب مهاراته اللازمة مع الأبناء والمراهقين منهم بشكل خاص، وتزويدهم بأسلوب الثواب والعقاب في التربية الإسلامية، وتغليب أساليب الحوار مع اللطف واللين ودفء المعاملة، والمرونة في المواقف واستخدام الإقناع المبني على المنطق الواقعي؛ حتى يرتقي فكر المعاند وتنضج إنفعالاته، ومع مراعاة التخفيف من الأوامر والنواهي والتدخل المستمر دون مبرر وجدير ذكره أن العصبية والغضب تولّدان العناد.

كما أن الزوجة عنيدة فكذلك الرجل، فالزوجة الذكية هي الزوجة التي تستطيع التعامل مع زوجها بمهارة وفن، فكل زوج له طبيعة خاصة وتركيبة مختلفة في الشخصية، لذلك تشتكي أغلبية الأزواج من صعوبة التعامل مع أزواجهما خاصة لو كانوا أزواجاً عنيدين، فتشعر الزوجة وكأن من المستحيل التعامل معه والتفاوض في أي أمور حياتية أو أمور خاصة بهم.

حيث يصعب على الزوج العنيد تجاوز أي موقف أو أزمة؛ لأن الطرف العنيد يستمتع ببقاء الصراع ولا يضع لنفسه نهاية، وبهذا تجهد الزوجة فتشعر أن حياتها جحيم، فتلك الفئة من الرجال يتشبثون برأيهم حتى لو خالف رأي زوجاتهم وحتى إن كانوا على خطأ، ويعرَّف العناد على أنه السلبية التي يبديها الزوج من خلال الأوامر والنواهي، وهو الإصرار على الفعل الذي يخالف الأوامر، ويتكون العناد عندما لا يستطيع الزوج التكيف مع ظروفه النفسية والعصبية.
ويظهر عناد الزوج في عدة صور كتجاهله وجهة نظر الزوجة، فلا يرغب في الإستماع إليها فهو كشخصية عنيدة لا يحب أن يرضخ لأوامر أحد أو آراءه ويرفض دائماً الحقائق الثابته حتى يظهر ذاته؛ فمثل هذا النوع من الأزواج لديه مشكلة في طريقة التفكير؛ لذلك يصعب على الزوجة التعامل مع هذا الزوج العنيد، فيتطلب منها قدر كافٍ من التكنيكية؛ ليكون سلاح الزوجة مع الزوج العنيد ذكاءها، والتي يجب أن تتصف به كل زوجة حتى تستطيع أن تتعايش مع الزوج، فتكسب قلبه وعقله معاً، وبالتالي على الزوجة أن تحتوي زوجها وتزرع بقلبه الأمان وتناقشه في سلوكياتها، فتكون أشبه بالرسائل المفعمة لتصحيح سلوكياته.

ولتشجيع الزوجة زوجها وتعاونه وتشاركه في أعمال مفيدة فيدرك أن إتخاذ القرارات ينبغي أن يكون جماعياً حتى تقل درجة عناده؛ لتتجنب الزوجة أسلوب إعطاء الأوامر لزوجها والتحدث معه بقسوة؛ لتتجنب المواقف المثيرة للإنفعال، ولتحاول إجتناب الزوج أثناء إنفعاله وإعطاءه فرصة للتعبير عن رأيه، لتحاول الزوجة أن تعطي زوجها مساحة من الإستقلالية والحرية، فلابد أن تدرك أن طاقة الحب لها تأثير فعال غير أنها تجلب الخير وتقوِّم نفس الزوج والزوجة، فتجعل من كل أمر صعب سهلاً، فبالمودة تستطيع الزوجة أن تغير زوجها وتوجهه إلى الخير حتى يتم إصلاح حياتهم معاً، وتستطيع الزوجة بذلك تحويل الطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية وبالتالي يغير الزوج من نفسه.

فإن التعوّد على أسلوب الحوار واحترام الرأي الآخر ونسيان المواقف السلبية السابقة والتعامل بروح التسامح والتنازلات المطلوبة حتى تسير الحياة في أمان واستقرار، عزيزتي الزوجة إن أولى الناس بالرحمة زوجك، خاصة إن كان عصبياً فاعلمي أنه طيب القلب، يحتاج إلى سعة الصدر والصبر، فلا تقابلي عصبيته بعناد ولا تحوّلي البيت إلى ضوضاء؛ فإن سعادة البيت واستقراره بيدك أنتِ فليكن بيتاً سعيداً ومسكناً من المساكن الطيبة التي أوصى بها الله تعالى.





ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مساكن طيبة - الحلقة الرابعة - الدورة البرامجية32.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا