إصلاح ذات البين
2024/04/13
107
ذات البين هي الأحوال والعلاقات التي تكون بين القوم، وإصلاحها: هو تعهّدها، وتفقّدها، وطلب الصلاح لها.
فمعنى إصلاح ذات البين هو إصلاح الفساد الذي يحدث بين القوم، أو بين العائلة، أو بين المؤمنين، وهو من معالي الأخلاق، ومكارم الأعمال، وقد أمر به ونصّ عليه في القرآن الكريم والسنّة الشريفة حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾، وقال عز وجل كذلك: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، لذا يتبين لنا أن إصلاح ذات البين أمر يحبّه الله.

عندما لا يبادر المتخاصمان من المؤمنين إلى التصالح من تلقاء أنفسهما فإنّه لأهمّيّة سلامة الأجواء والعلاقات بين أبناء الأمّة الإسلاميّة فقد أمر الله بقيام أبناء المجتمع المؤمن بالإصلاح بينهما فقال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾، فإصلاح ذات البين معناه إصلاح العلاقات البينيّة أي بين الأفراد والجماعات داخل المجتمعات الإسلاميّة والمؤمنة..

وقد جاء في فضل الإصلاح بين النّاس عن الإمام الصادق (عليه السلام): "صدقة يحبّها الله إصلاحٌ بين النّاس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا"، بل إنّ إصلاح ذات البين من أفضل العبادات في ما روي عن الإمام عليّ (عليه السلام) في وصيّته لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) إذ يقول: "... فإنّي سمعت جدّكما (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"، ولو لم يكن في فضل هذا الأمر إلّا كونه أفضل من عمود الدّين الذي هو الصلاة لكفى، فكيف إذا كان الإصلاح بين المتخاصمين أفضل حتّى من الصدقة بالمال ذي القيمة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: "لأن أصلح بين اثنين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بدينارين".

هناك أمر ينبغي الالتفات إليه وهو تنبه أحد المصلحين أنّ على من يريد إصلاح ذات البين أن يلتفت إلى أنّ بعض المصلحين من حيث لا يشعرون يرتكبون حرامًا وهم يظنّون أنّهم في وارد الإصلاح، فمن هذه الموارد:

1- إنهاء النزاع على حساب المظلوم..
المطلوب أوّلًا ما أمكن نصرة المظلوم بإحقاق حقّه وإقامة العدل، وليس المطلوب فضّ النّزاع وإنهاءه وفصل الخصومة على حساب المظلوم ولصالح الظالم، حيث يقول تعالى في بعض موارد كلامه لاسيما في حالات البغي والتعدّي: ﴿فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، أي الذين يجرون العدل في الصلح، لاسيما في حالات خلافات الجماعات مع بعضها، لأنّ الصلح دون العدل، يعني أنّنا تركنا مادّة الخلاف والتنازع في النّفوس، وثانيًا نكون قد أقَرَرْنا للباغي بغيه، وأعطينا صورة عن الإسلام تنافي العدل والقسط.

2- توهّم حرمة الكذب..
صحيح أنّ الكذب محرّم، وقد ورد ذمّ الكذب والكاذبين في القرآن وكذلك في أحاديث العترة الطاهرة، إلّا أنّ الصدق أحيانًا في إصلاح ذات البين قد ينطبق عليه عنوان محرّم كالنميمة، فإن قال المصلح ما سمع من كلّ من المتخاصمين للآخر يكون من حيث لا يدري سعى بينهما بما يترتّب عليه زيادة الخلاف وتعميق الشقاق وزيادة بُعد المسافات فيكون مشّاءً بالنميمة بين المؤمنين، هذا من جهة فإنّ الصدق هنا حيث يكون مصداقًا للنميمة لا شكّ أنّه حرام.

وثمّة أمر آخر لو اضطرّ المصلح للكذب حتّى يقرّب بين القلوب ويجمع بين النّفوس أن ينسب كلامًا لأيٍّ من المتخاصمين بما يؤدّي إلى ردم الهوّة وسدّ الفجوة فقد يجب أحيانًا ولا يكون هذا من الكذب الحرام وهذا ما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يصلح الكذب إلّا في ثلاثة مواطن.. كذب الرجل يمشي بين الرجلين ليصلح بينهما"..
بل إنّ حفيده الصادق (عليه السلام) أخرجه أصلاً من صدق عنوان الكذب، مبالغة في الإشارة إلى حلّيّته وعدم حرمته حيث قال (عليه السلام): "إنّ المصلح ليس بكذّاب، إنّما هو الصلح ليس بكذب".

فالإصلاح واجب إلهي وأن العمل على تحقيق الأخوة والتواصل والاجتماع وإصلاح ذات البين من أوجب الواجبات الإلهية ضرورة أنه لا يمكن بناء مجتمع متماسك يسير في خدمة الأهداف العليا للإسلام ما لم يكن هذا التكليف قائمًا ومعمولًا به لدى المسلمين حيث في المقابل يكون التشتت والتفرّق وتحكم روح العداوة عاملًا هدّامًا لا تستقيم معه مسيرة أهل الإيمان، وهو سبب في فشل وسقوط كثير من القضايا الهامة على مر العصور ولا يزال، فالمطلوب أن تسود روح الجماعة والوفاق في إعزاز المصالح العامة، لا روح الفرد والشقاق في خدمة المصالح الخاصة بما تحكمها من أهواء ورغبات، فيقول عزّ وجل: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾، وفي بيان قرآني آخر تأكيد على أن هذا الواجب هو غاية الإرادة في قوله تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.

فما أحسن هذه الصفة الممدوحة، إصلاح ذات البيت بين المؤمنين، يفعلها الإنسان تقرّبًا إلى الله تعالى، وتحصيلًا لسرور أهل البيت عليهم السلام بصلاح شيعتهم ومواليهم.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج زاد الآخرة - الحلقة الحادية عشرة - الدورة البرامجية 77.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا