روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:
«وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الوَالِدَ الشَّفِيقَ، وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ العُمُرِ مُقْتَبَلُ الدَّهْرِ، ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ، وَنَفْسٍ صَافِيَةٍ، وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللّـهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ، وَشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ، لاَ أُجَاوِزُ ذلِكَ بَكَ إِلَى غَيْرِهِ. ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي التَبَسَ عَلَيْهِمْ...» (نهج البلاغة: الرسالة 31).

يتصور البعض أنَّ شفقة الوالدين هي الرحمة بالأبناء، والخوف عليهم، وعدم الضغط عليهم، وعدم إرهاقهم بالعمل، ولكن حين الرجوع إلى النصوص الشريفة نجد أنَّ الشفقة لها معنى خاص، لكن أغلب الآباء غافلون عن جوانبها أو بعض أركانها.

 فالشفقة هي الرقة المخلوطة بنية الصلاح، وهذا يجرنا إلى أمر مهم أنَّ الشفقة أحياناً تكون مذمومة حينما تؤدي إلى فساد الابن، أو تدعه يعرض عن حكم الله تعالى؛ وبعبارة أخرى هي مشاعر متكونة من الخوف والحب والرغبة في الإصلاح.

من صـــــور الشفقــــــة..
* الصورة الأولى: أن يكون البدء بصلاح الأبناء في مقتبل العمر؛ ما دام الابن ينطوي على نية سليمة، ونفس صافية. فجعل الأبناء يعتادون على أمور الصلاح في الصغر ومرحلة الحداثة مما يركز ويجذّر كل خير في نفسه.

ولذلك يصعب أداء التكاليف على بعض المكلفين في مرحلة الشباب؛ بسبب عدم اعتيادها في مقتبل العمر؛ كصلاة الصبح، فمعترك الحياة ومشاكلها والأمراض الأخلاقية والدخول في الشبهات؛ كلُّ ذلك يؤثر على قبول الموعظة والحكمة والنصيحة.

* الصورة الثانية: أن يبدأ بتعليم ولده كتاب الله تعالى وتأويل آياته، وأحكام الحلال والحرام؛ وهذا من شأنه أن يهيئ أرضية خصبة لنمو الملكات الحسنة، ومواجهة الشبهات والانحرافات، ومما يؤسف له أنَّ بعض الآباء يهتمون بتعليم أبنائهم كلَّ العلوم المادية، ويزهدون بالعلوم التي هي محور النجاة.

* الصورة الثالثة: توضيح الشبهات، فإنَّ الأب الشفيق هو مَن يركز على الأعمال والحِكم التي تصلح ولده، وألَّا يتركه في مهب الريح تتلاعب به الشبهات؛ فقد رأى الوالد صاحب التجارب كيف فعلت الشبهات بالآخرين، وكيف زلَّت أقدامهم فكفروا بعد إيمان، وانحرفوا بعد استقامة.

___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد 930.
السيد صباح الصافي