في تعدد روايات الفاطمية سرّ وحكمة
2025/11/25
31

تُعدّ الرواية الثالثة في شهادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من أعجب وأعمق ما ورد في تراث أهل البيت (عليهم السلام)، إذ تحدد يوم وفاتها -بالدقة- في الثالث من جمادى الآخرة، أي: بعد وفاة أبيها المصطفى (صلى الله عليه وآله) بخمسة وتسعين يومًا، وهي رواية تحمل في طياتها إشارات غيبية ومعاني فكرية وتربوية بالغة العمق.

لم يكن تعدد الروايات في تاريخ شهادتها عبثًا ولا غموضًا تاريخيًا عابرًا، بل هو سرّ إلهي وحكمة ربانية تتصل بعظمة تلك الشخصية التي شاء الله أن تبقى قضيتها حية ومتحركة في ضمير الأمة عبر اختلاف الأيام وتنوع المناسبات.

إنّ هذا التعدد الزمني جعل من ذكرى الزهراء (عليها السلام) موسمًا متجددًا يوقظ القلوب ويجمع الموالين على مدار العام، فلا تمرّ مرحلة إلا ويُستحضر فيها ألمها ومظلوميتها، فيبقى الوجدان الشيعي نابضًا بذكراها، متصلًا بجذر المظلومية الأولى بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، تلك التي كشفت خط الانحراف وفضحت مسار الإقصاء لآل محمد (عليهم السلام).

ومن جهة أخرى، فإنّ هذا التعدد في الروايات يعبّر عن تعدد المستويات في حضور الزهراء (عليهم السلام) في حياة الأمة: حضورها الروحي في قلوب المؤمنين، وحضورها الاجتماعي في ضميرهم، وحضورها الرسالي في خطّ الإمامة والولاية.. إنها ليست حادثة وفاة عادية، بل مدرسة قائمة على امتداد الأيام، تُعلّم الصبر والثبات والتسليم لله بالرغم من الألم.

لقد أراد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أن تكون ذكرى أُمهم الزهراء (عليها السلام) بابًا متحركًا نحو وعي القضية الكبرى، فكل رواية تحمل بُعدًا خاصًّا من الحكمة، لتبقى فاطمة (عليها السلام) حجةً وشاهدةً حاضرة، ينهل منها شيعتها ومحبوها دروس الإخلاص والوفاء، وتتحول مناسباتها المختلفة إلى مواسم لتجديد العهد مع الحق والتمسك بولاية علي وأبنائه المعصومين (عليهم السلام).

 

  • زهراء محمد مهدي
__________________________________________
نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1048.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا