النفس البشرية بين حسن الخلق وقبحه
2021/11/30
694

لقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالنفس الإنسانية لأنها أعظم ما خلق وأبدع، وجعل قَسَمَه بها سابع قسم شمل خلق السموات والأرض. قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ثم بيّن الله تعالى أنّه ألهم نفوسنا دوافع الخير ونوازع الشر: 

﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ ولكنّ هذا الخير وهذا الشر ليسا قدراً مسيطراً على شخصية الإنسان لا مندوحة عنه، بل بإمكان الإنسان أن يزكو بنفسه ويرقى بها، وبإمكانه أن ينحطّ بها ويتدهور بشأنها.

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ وعندما نطالع الآيات القرآنية التي تحدثت عن النفس نراها مستمعتي قد تحدثت عن ثلاث حالات من حالات النفس كما أنها وصفتها بصفات مختلفة منها أن النفس لا تأمر بخيـرٍ قـط، فحتى لو وصلت إلى مرحلة النفس المطمئنة، فإذا وجدت نفسك تنقــاد لك في فعل بعض الطاعـــات، فاعلم أن ذلك ليس برغبتها وإنما خوفك من الله ومن الآخرة كان باعثاً على قهر النفس والرغبة في الابتعاد عن الانحراف الذي تأمر به، فسجنـت نفسـك حتى صارت بين يديـــك كالأسير المقهور على فعل جميــع ما تأمره به حتى إذا فتحت لها البــاب ظنًا منك أنها قد ثبتت على الطــاعــات، تحررت من قيودهــا وعــادت إلى ما كـانت عليه من الأمر بالسوء، فإذا قهرت نفسك تستطيع أن تقودهـا، أما إذا أطلقت سراحها أمرتك بالســوء.
أما الحالة الثانية من حالات النفس إن النفس نزَّاعة إلى الشهوات دومًا، مهما ارتقى المسلم في درجـــات الإيمان فالنفس هي مجموعة الرغبات التي تهفو إليها نفسك؛ من حب الجـاه والتملك والتميز والمال وكل ما تهواه النفس وتتمناه.

وقد يتحايـل المرء ويصبغ رغبات نفسه بصبغة الشرع كالذي يحب الشهرة مثلا ثمَّ أنعم الله عليه بنعمة الالتزام، فتظل تلك الرغبة بداخله وتجــده يبحث عن الشهرة والتميـز تحت مُسمى الدعوة وخدمة الإسلام.

والأصل أن عمله ليس لله، وإنما لأجل رغبة مُتمَلِكة من القلب، والحالة الثالثة التي ذكرت مفادها أن الرضــا عن النفس بدايــة ورود المهالك، لأن النفس ستظل دومًا هي النفس التي لا تأمر بخيرٍ قط؛ لذا من أقبح ما يكون أن ترضى عن نفسك.. كما ذكر النبي "ص وآله" قال الله تعالى (.. فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) فستظل دائمًا أبدًا في جهــادٍ مع نفسك حتى الموت، ولكي نتمكن من التعامل مع أنفسنا لا بد من معرفة طبيعتها، وقد وصف الله سبحانه وتعالى ثلاثة أنواع للنفس الإنسانيـــة.

النفس الأمارة بالســوء، كما في قوله تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي).

وهي النفس التي تحث وتحض على فعل السـوء، وتزينـه في عين صاحبــها حتى يظن أن فيه سعـادته الحقيقية وما يعلم أن فيه شفاؤه.
العلاقة بين النفس الأمارة بالسـوء والعقــل، فإن النفس الأمارة بالسوء تتأثر بالعقل، والعقل يتأثر بالمدركـــات الحسيَّة؛ كالنظر والسمع واللمس والشم وهذه المدركــات تتجمع في العقل وتكوِّن الرغبــة التي تصل إلى النفس الأمارة بالســوء فتبدأ بدفعك للوقوع في المنكرات.

فالقلب لم يقع في المعصية إلا بعد إثارة المقدمات الحسية كالذي يشاهد الأفلام وتظل تراوده الخواطر والأفكار السيئة حتى بعد أن يلتزم ويبتعد عنها؛ لأنه قد درَّب نفسه على السوء فتولدت منها نفس خبيثة.

أما الأشيــاء التي لم تعاينها حسيًا فلن تُحَدثك نفسك بها؛ كالسرقة مثلاً والفرق بين تسويل النفس ووسوسة الشيطان أن النفس تظل تسول لك نفس جنس المعصية، أما الشيطــان فهو لص الإيمان يحاول أن يوقعك في أي معصية أيً كانت حتى يشغلك عن طاعة الله.

النوع الثاني هي النفس اللوامــة: وهي التي كلما وقع العبد في محظور لامته عليه حتى يُســارع بالتوبـــة والاستغفــار.. قال تعالى (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ولا يُقسِم الباري بشيء إلا لعلو قدره ورفيع منزلته عند الله تعالى.

وهناك علاقة وثيقة بين النفس اللوامة والعقل فالعلاقة بينهما أقوى من العلاقة بين العقل والنفس الأمارة بالسـوء، فتأثر العقل بالمدركات الحسية يكون أقل من تأثره في حالة النفس الأمارة بالســـوء؛ لأنه إلى جانب المعاصي التي رأتها عيناه وأدركتها بقية حواسه فإنه قد قام ببعض الأعمال الصالحة من تلاوة قرآن واستماع للمواعظ فصار لدى عقل جانبان؛ جانب يدعوه إلى الخيـــر وتقوى الله، وآخر يدعــوه إلى الشر بالوقوع في المعصية، وتظل النفس اللوامة تلومه على أفعاله السيئة؛ فإن استجــاب لتأنيب ضميره وأصْلَح من نفسه، كانت نفسه أقرب إلى النفس المطمئنة منها إلى النفس الخبيثة.. أما إن تركها لتغرق، عادت النفس من مرحلة النفس اللوامة إلى مرحلة النفس الأمارة بالسوء.

وأخيراً هناك النفس المطمئنة وهي الهدف الأسمى قال تعالى( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) فهي نفسٌ قد لجأت إلى الله تعالى واطمأنت إليه ورضيت عنه، فأثابها الكريم سبحانه بأبلغ ثواب وأجزل عطاء بما تُغْبَط عليه في الدنيا والآخرة.

وهذه هي مرحلة الصدق مع النفس (الاطمئنـان) التي يهفو إليها جميع البشر وليس المسلمون منهم فحسب، ولا ينال النفس المطمئنة إلا المؤمن الموحد ولا يحصل عليها كــافرٌ أو مجرمٌ بعيد عن الله سبحانه وتعالى؛ لأن دين الإسلام هو الدين الوحيـــد الذي يمازج بين متطلبات العقل والروح أما البعيدون عن طريق الله سبحانه وتعالى فإنهم يقومون بإلهاء أنفسهم بشتى الطرق؛ حتى لا تصطدم نفسه بعقله الراكد في شهوات الحس ويحدث بينهما صراع.

إذن نختم حديثنا بهذا الحديث عن النفس المطمئنة والتي هي الهدف الأسمى والمحور الأساس الذي سيأخذنا معكم في حلقات البرنامج القادمة الى كل ما من شأنه إيصالنا إليها (إلى النفس المطمئنة) وبالتالي الوصول إلى الدرجات العلا مع عباد الله الصالحين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج ادخلي جنتي- الحلقة الأولى- الدورة البرامجية 64.


 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا