الترغيب في مكارم الأخلاق
2025/09/30
35

تُعدُّ الأخلاق الركيزة الأساسية في حياة الإنسان، فهي المعيار الذي تُقاس به إنسانيته، والدعامة التي يقوم عليها المجتمع المتماسك. وقد أولى الإسلام عناية فائقة بهذا الجانب، فجعله غايةً من غايات البعثة النبوية، ومظهرًا لرسالة السماء في الأرض، حتى ورد عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله: «إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارمَ الأخلاق» (بحار الأنوار: ج16، ص210). ومن هنا، كان الترغيب في التحلّي بمكارم الأخلاق ليس مجرّد حثٍّ أخلاقي، بل هو تكليف شرعي ومنهج حياة.

معنى الأخلاق وأهميتها:

الأخلاق لغةً: جمع (خُلُق)، وتعني: السجية والطبع والمروءة والدين، كما تُطلق على: الهيئة الراسخة في النفس التي تصدر عنها الأفعال بسهولة، حسنةً كانت أو سيئة. (القاموس المحيط: ص881، لسان العرب: ج10، ص86).

أما اصطلاحًا، فمكارم الأخلاق كما يعُرّفها الشيخ النراقي (رحمه الله) في جامع السعادات: هي الصفات الحميدة والأفعال الحسنة التي تزكّي النفس وتقربها من الكمال الإنساني (جامع السعادات، ج1، ص23).

وقد ركّز القرآن الكريم على هذا البُعد حين وصف شخصية النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، ليرسم معالم القدوة الأخلاقية العليا، فالرسالة النبوية لم تقتصر على إصلاح العقيدة أو تنظيم العبادات، بل هدفت إلى بناء مجتمع قائم على القيم والفضائل.

ومن جملة ما ورد في السنّة الشريفة ما رواه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين علي (عليه السلام): «يا عليّ، ثلاثٌ من مكارم الأخلاق: تصلُ مَن قطعك، وتُعطي مَن حرمك، وتعفو عمّن ظلمك» (تحف العقول: ص7)، وهذه الخصال الثلاث تختصر أعمدة الأخلاق العملية: صلة الأرحام وتجاوز القطيعة، والعطاء بغير مقابل، والعفو الذي يسمو بالإنسان فوق دوافع الانتقام.

وبذلك تُفهم الأخلاق في الإسلام على أنّها هي نظام متكامل يوجّه سلوك المؤمن في تعامله مع ذاته، ومع ربّه، ومع الناس. ومن هنا جاء التأكيد على خصال؛ كالصدق، والأمانة، والعدل، والرحمة، والكرم، والوفاء، التي تُعدًّ مكمّلات لشخصية المؤمن وميزانًا لإيمانه.

يتبيّن ممّا تقدّم أنّ مكارم الأخلاق هي روح الدين وجوهر الرسالة، وأنّ الترغيب فيها لا ينفكُّ عن أصل التكليف الشرعي؛ لأنّها تمثِّل الطريق إلى مرضاة الله تعالى، والوسيلة لبناء مجتمع متآلف تسوده المحبّة والرحمة.

ولذا، فإنّ التزام المؤمن بها واجبٌ لا يقتصر أثره على فرده، بل يتعدّى إلى أُسرته ومجتمعه، لتبقى الأخلاق صِمَام أمانٍ للأمة ودليلًا على أصالة الانتماء للإسلام.

 

  • مرتضى محمد الكعبي
__________________________________________
نشرة الكفيل/نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية)، تتناولُ المعارفَ القُرآنيةَ، والعقائديةَ، والفِقهيةَ، والتاريخيةَ، والأخلاقيةَ، والتربويةَ، والاجتماعيةَ، والصحيةَ بأُسلوبٍ مبسّطٍ ومختصرٍ، تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 1040.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا