التسويف آفةٌ خطيرة من آفات النفس، تُهدر بها الأعمار وتُفوّت بها الفرص، وهو خدعة تطلقها النفس العاجزة التي لا تمتلك الإرادة الكافية لمواجهة العمل او استمراره، فتختبئ خلف قولها: (سأفعل غدًا) وهي تغرق في بحر من التراجع والتأجيل.
إنّ الروح المسوِّفة القاعدة عن العمل، تستحضر أعذارًا شتّى، تُزيّنِ بها التسويف وتقول: (الوقت غير مناسب الآن)، (غدًا سيكون ذهني أكثر صفاءً)، وكذلك (سأبدأ حين تتحسن الظروف)... وهكذا تنهار العزيمة، وتُؤجَّل الخطوة، ويتحول التأجيل عادة تعتادها تلك النفس، حتى يضيع العمر ولم يُنجز المرء شيئًا يُذكر.
ومن تأمل هذه العبارة الواردة عن النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله): «وَإيَّاكَ وخَصْلَتَيْنِ الضَّجْرَةَ والكَسَلَ؛ فَإنَّكَ إنْ ضَجِرْتَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ وإنْ كَسِلْتَ لَمْ تُؤَدِّ حَقًّا»، أدرك أنّ مَن لا يقدر على توجيه وقته اليوم، والتحكم في ساعاته الحاضرة، فإن ظنه بأن الغد سيكون أفضل هو وهمٌ؛ لأنّ الغد ما هو إلّا امتداد لليوم، ومن لا يملك الآن لن يملك بعد قليل، فالقضية ليست في تغير الزمن، بل في تغير النفس.
إنّ النجاح لا يُصنع في لحظة خارقة أو في زمن مثالي، بل يُبنى كلّ يوم لبنة -بالتدريج- عبر خطوات ثابتة ومتزنة، وإن بدت صغيرة في أول الأمر.
وأول هذه الخطوات هي: كسر قيود (التسويف)، ومواجهة المهام بشجاعة، مهما بدت ثقيلة على النفس.
إنّ الإقلاع عن التسويف تبدأ من إدراك خطورته، ثم بإرادة واعية تتحدى رغبة الراحة السريعة، وتنظر إلى ثمار العمل على المدى البعيد، فالهمة العالية لا تؤجل، بل تبدأ، ولا تنتظر الظروف، بل تصنعها.