إنّ التوفيق والنجاح مفهومان متلازمان في حياة الإنسان، وهما غاية يسعى إليها كلُّ فرد، غير أنّ القرآن الكريم يرسم لهما طريقًا مختلفًا، يربطهما بالإيمان والعمل الصالح والتقوى والتوكل على الله سبحانه..
ففي القرآن، لا يُقاس النجاح بكثرة المال أو المنصب، بل يُقاس بالقرب من الله وحسن العاقبة، إذ قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: 2 و3)، وهنا يبين القرآن أنّ التوفيق في الأزمات والنجاح في تجاوزها مرتبط بالتقوى، فالله سبحانه وتعالى يفتح للمتقي أبوابًا لا تخطر على البال.
ومن أبرز معالم التوفيق في القرآن: (الارتباط بالهداية)، فالله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ (محمد: 17)، فالهداية نور، ومَن أُوتي النورَ فقد وُفِّق، ومَن زاد إيمانه زاد توفيقُه، وهذه قاعدة قرآنية في فهم معنى النجاح الحقيقي.
كما أنّ التوفيق في القرآن لا ينفصل عن (الإخلاص)، فحين يعمل الإنسان شيئًا طلبًا لرضا الله، يُفتح له باب التيسير، ويبارَك له في عمله، إذ يقول تعالى: ﴿إنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا﴾ (الأنفال: 70)، فالنية الصالحة تسبق الفعل في صناعة النجاح.
و(التوكل) أيضًا من مفاتيح التوفيق في القرآن، إذ يقول الله سبحانه: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق: 3)، أيْ: كافيه وناصره ومُنجِحه، وهنا تتجلى صورة عميقة للنجاح، إذ لا يعتمد فقط على الجهد، بل على تسليم القلب لله والثقة الكاملة به.
ثم إنّ النجاح الحقيقي في القرآن ليس مؤقتًا، بل ممتد إلى الآخرة، فالله يقول: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (النحل: 97)، فالحياة الطيبة ثمرة التوفيق الرباني، وهي ليست محصورة في المال أو المنصب، بل في السكينة والرضا والبركة، وهي معايير لا يدركها إلّا مَن أنار اللهُ تعالى قلبَه بنور القرآن.
ولذلك فإنّ التوفيق والنجاح في نظر القرآن نتيجة طبيعية للسير في طريق الله سبحانه واتّباع هداه، والتسلح بالتقوى، والإخلاص، والتوكل، والعمل الصالح، فمَن أراد النجاح القرآني، فليبدأ من قلبه، ويتّجه إلى ربه.
التوفيق والنجاح في القرآن الكريم