إنّ الشكر في منطق القرآن الكريم وسُنّة المعصومين الأطهار (عليهم السلام)، حالة حاضرة في أقوالهم وأفعالهم، مؤكّدة في مواقفهم، وقد عدّه الكتاب المجيد من صفات المؤمنين والمخلَصين من أنبيائه وأوليائه (عليهم السلام)، إذ قال تعالى:
﴿بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (الزمر: 66).
إنّه أمر إرشادي تنطق به بداهةُ العقل، فشكر المنعم لازمٌ في حكم العقل، ولا ينكره إلّا الغافل.
وقال اللهُ سبحانه: ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ (آل عمران: 144).
وهنا نسأل:
كيف يكون الشكر؟
هل يقتصر على خفقة القلب؟
بل القلب موضعه، واللسان مظهره، والعمل ميدانه.
وقد جاء في كلمات الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة السجادية: «فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ، وَشُكْرِي إيَّاكَ يَفْتَقِرُ إلى شُكْرٍ!».
إنّ الشكر ليس مقتصرًا على النعم الظاهرة، بل له مصاديق واسعة، ومنها ما رواه الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «إذا قدرتَ على عدوّكَ فاجعل العفوَ عنه شكرًا للقدرة عليه» (نهج البلاغة: ج٤/ص٤).
وأمّا شكر المخلوق، فله موقعه الجليل، وإن كان الشكر لله لازمًا لذاته، فإنّ الله تعالى شاء من عبده أن يشكر الناس، كما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «يقولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى لِعبدٍ مِن عَبيدِه يومَ القِيامةِ: أشَكَرتَ فُلانًا؟ فَيقولُ: بَل شَكَرتُكَ يا رَبِّ، فَيقولُ: لَم تَشكُرني؛ إذ لَم تَشكُرْهُ». ثم قال (عليه السلام): «أشْكَرُكُمْ لِله أشْكَرُكُمْ لِلنَّاسِ» (الكافي: ج٢/ص٩٩/ح30).
وكذلك ورد في حديث جابر مع الإمام السجّاد (عليه السلام) يطلب منه تخفيف جهد العبادة على نفسه، وبعد أن كلّمه قال له الإمام (عليه السلام): يا صاحب رسول الله، أما علمتَ أنّ جدي رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قد غفر اللهُ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر؟ فلم يدع الاجتهاد، وتعبّد هو -بأبي وأُمي- حتى انتفخ الساقُ وورِم القدمُ، وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر اللهُ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟!» (مناقب آل أبي طالب: ج٤/ص١٤٩).
وإذا كان هذا حال رسول الله (صلى الله عليه وآله).. فكيف ينبغي أن نكون؟
التوفيق والنجاح في القرآن الكريم