الأحزان التي ترد على قلب المؤمن
2020/08/27
1664

 

إن الإنسان قد يكون في أعلى درجات الرفاهية، ولكن قلبه يعتصر حزناً وألماً.. حيث أنه ليس هناك أي تلازم بين أن يكون الإنسان في سعة من الرزق، وبين حزن قلبه أو فرحه.. فإذن، لا يعتقدن أحد أن الرفاهية المادية ستشفع له في هذا المجال.

وإن الحزن ليس حالة واحدة، بل حالات متعددة:

أولا: الحزن المقدس: فقد يروى إن النبي الأكرم (ص) كان من أكثر الناس حزنا، يقول القرآن الكريم: {طه* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}.. كان يحمل حزنا عظيما، ولكن هذا الحزن كان مقدساً؛ لأنه حزن على الناس وعلى الأمة، فقد كان (ص) عندما يؤذيه قومه، يقول: (اللهم.. اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون). 

فإذن، عندما يرى المؤمن أن حزنه نابع من تقصيره في العبودية: حيث أنه من الصباح إلى المساء لم يوفق لطاعة معتبرة، أو عزم على ترك معصية، وفي ساعة الامتحان وقع في تلك المعصية.. أو لا هذه  ولا تلك؛ أي لم يرتكب معصية، ولكنه يعيش حالة الغفلة والبعد عن الله عز وجل؛ فإن هذا الحزن مقدس.. لأن ذكر الله -عز وجل- بالنسبة للمؤمن الذي وصل إلى درجة عالية، هو بمثابة الهواء الذي يستنشقه.. فإذن، هذا الحزن مقدس وهذا الحزن بمثابة المنبه، يجعل المؤمن يتنبه إلى أن هناك شيئا ما، أورثه هذا الحزن.

 وهناك نوع من الحزن هو الحزن غير المقدس.. وهو حزن شيطاني، إذ أن الإنسان يحزّن نفسه دون سبب: هو وضعه جيد، في نعمة ظاهرية وباطنية؛ ولكنه قلقل من المجهول، ويعيش في خوف من المستقبل.. حيث أن الله -عز وجل- منذ أن خلق آدم (ع) إلى يومنا هذا، ما أعطى ضماناً لأحد أن يعيش إلى آخر عمره على نحو ما هو يريد فالحياة فيها تقلبات.. فإذن، إن الحزن الذي منشؤه الدنيا والحرص عليها، غير مقدس.

 وهناك نوع من الحزن وهو الحزن الذي لا يعلم سببه.. فهناك حزن لا يعلم هل هو مقدس أو غير مقدس: لا هو من معصية، ولا من غفلة، ولا هو من ابتعاد، ولا من دنيا.. سببه مجهول، فما هو الحل؟ على الإنسان أن يستقرئ باطنه، ويرى الأسباب التي أورثته هذا الحزن.. ومن الأسباب التي لا نقيم لها وزناً، إدخال الحزن على الآخرين.. إن رأيت حزناً في قلبك، ابحث عن القلوب المحيطة بك، لعلك كنت سبباً في شعور إنسان بالألم والأذى؛ فعجّل رب العالمين لك العقوبة في الدنيا، أن جعل في قلبك هذا الحزن، ليخفف عنك العذاب يوم القيامة.

يروى أنه كان أحدهم مبتلى بمولى قاسي القلب، شوهد جالساً مع كلب يأكل معه، وعندما سئل عن السبب، قال: لعل بإدخالي السرور على هذا الحيوان، أرجو أن يدخل اللين على قلب المولى فيخلصني من شره.. إذا كان إدخال السرور على كلب نجس العين، يوجب الفرج للمؤمن، فكيف بإدخال السرور على قلب مؤمن بالله؟ وكيف إذا كان بقلب تقي؟ وإليكم  هذه الرواية:

رأى الامام الحسين (ع) غلاماً يؤاكل كلباً، ولمّا سأله، قال: يا ابن رسول الله إنّي مغموم، أطلب سروراً بسروره؛ لأنّ صاحبي يهودي أريد أفارقه، فأتى الامام الحسين(ع) إلى صاحبه بمأتي دينار ثمناً له، وقال اليهودي: الغلام فداء لخطاك، وهذا البستان له ورددت عليك المال، فقال (ع): (قد وهبت لك المال)، قال: قبلت المال ووهبته للغلام، فقال الامام الحسين (ع): (أعتقت الغلام، ووهبته له جميعاً) فقالت امرأته: قد أسلمت ووهبت زوجي مهري. فقال اليهودي: وأنا أيضاً أسلمت وأعطيتها الدار.

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج منار السبيل- الحلقة التاسعة- الدورة البرامجية57.

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا