العطاء عبادة
2020/06/09
737

العطاء هو عبادة وشكر لله على النعم، ورسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) قدم أروع صور العطاء؛ أعطى كل شيء، ومن كل شيء، ولم يبق في يده ولا من نفسه أي شيء..

فما سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً قط فقال: لا، وبلغ من عطائه أنه أعطى ثوبه الذي على ظهره، ومن عطائه لأمته أنه سخر حياته لها نذيراً وبشيراً قائلاً: إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ.. ومن عطائه (صلى الله عليه وآله) أنه وهب أمته حباً لا يبارى، وشفقةً لا تجارى، وكان كثيراً ما يقول: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ..» بكذا..
ومن فيض خير النبي (صلى الله عليه وآله) وبركته أن عطاءه موصول إلى يوم القيامة، ومضى أصحابه وآله على نهجه، ينهلون من معين عطائه حتى غدوا قمماً في العطاء.

وأهل العطاء لا يعرفون البخل والشح والكراهية، إذا منحت الآخرين شيئاً فستربح أضعاف ما منحت، وعطاؤك سوف يدخل الأمل والفرح على قلوبٍ تألمت وحزنت ليتيمٍ فقد حنان الأبوة، وأرملةٍ فقدت عائلها.. بالعطاء لإخوانك المسلمين في كل مكانٍ، وللأقربين، والعطاء بين الزوجين بالحب والمودة والرحمة.

نعم، فباب العطاء واسع؛ بالعفو عمن ظلمك، والتجاوز لمن أساء إليك، صلة من قطعك، بدعوة المسلمين ودعوة غير المسلمين، وقبول عذر المعتذرين، وعثرة العاثرين، والتنازل عن بعض حقوقك عطاء، فالعطاء فكرة نافعة تهديها في عملك ولمجتمعك، عطاء مالٍ وعطاء علمٍ ومعرفةٍ ومعلوماتٍ وخبرةٍ، عطاء نفسٍ من جاهٍ، عطاء من وقتٍ وسمعةٍ وشفاعةٍ، عطاء جسدٍ من خدمةٍ وإماطة أذى ومشيٍ في مصالح الناس، وعطاء تضحيةٍ ببذل النفس في سبيل الله.

نعم العطاء باب مشرع لكل فئات وطبقات الناس، وهو سهل يسير؛ ابتسامة، زيارة، كلمة طيبة، دعاء، نفقة، دواء طبيبٍ.. فلم لا نلج باب العطاء؟!
لم لا نتعلم العطاء ونسقي منه مجتمعنا ووطننا وأمتنا؟!

وهنا يكون للحياة معنى، وللتعامل طعم، وللمشاعر روح، هذه النفوس التي تحمل سعادة العطاء تتعب ليشبع الآخرون، تبذل لتجد عطاءها أمامها يوم القيامة عوناً وسنداً.. فلا أحد في الأمة غير قادرٍ على العطاء، فإنه بنكوله عن العطاء يجمد حركته، ويئد ذاته، ويحطم قدراته، وتغدو مشاعره جثةً هامدةً، كل واحدٍ منا قادر على العطاء، يخدم أمته بقوله وفعله.. لذا وعلينا أن ننفض عن أنفسنا عوائق العطاء وأبرزها العجز الذي استعاذ منه رسولنا (صلى الله عليه وسلم): «اللهم إني أعوذ بك من العجز»، فهو سبب الإخفاق والفشل غالباً.

قال رسول الله ( صلى الله عليه  وآله): «واستعن بالله ولا تعجز»؛ فالعجز يضعف الهمة، يحطم الطموح، يفقدك الرغبة في العطاء؛ فتخسر جزءاً كبيراً من نفسك وعطائك، فتبقى مقتول القدرة، ويسوغ العاجز لنفسه العجز بأسبابٍ واهيةٍ وحججٍ ساقطةٍ..
وبهذا العجز المثبط تحول بعض المسلمين إلى اليد السفلى السائلة، يأخذ ويأخذ ولا يشبع، وعاش حياته متقوقعاً أنانياً، نفسه شحيحة، وهمته ضعيفة، عيونه متطلعة إلى ما لدى الآخرين، ولو كان ميسور الحال يعيش الفقر ويكره العطاء..

«استعن بالله ولا تعجز»؛ أي: قم وانهض وبادر وانطلق، وقبل ذلك ومعه وبعده: استعن بالله، وستجد الخير يتدفق، والعون يتزايد، والتوفيق من ربك حاديك وناصرك.

للعطاء أثر على المعطي وعلى مجتمعه وأمته؛ فالعطاء يفجر طاقات الفرد والأمة، ويفتح آفاقاً لبناء التنمية وعزة الأمة والثقة بين أفرادها، والمعطاء يحبه مجتمعه، ويحترمه قومه، ويرضى عن ذاته، ويرضى عنه ربه. المعطاء يظل بابه مطروقاً، وعطاؤه متواصلاً، ونفعه متعدياً وعظيماً، مع حضوره الدائم وخيره القائم.

وحين يستقر في قلبك العطاء من أجل الله فسرعان ما تتوالد فيه مسراته؛ فإن للعطاء لذةً خاصةً تفوق لذة الآخذ بما أخذ، فالانغماس في عمل الخير والبذل ومساعدة الآخرين يقي المرء هموماً كثيرةً قد تعيق حياته، فسجل نفسك في عداد المعطين، وكن من رواد العطاء، أصحاب اليد العليا، ومن أعطى أعطاه الله، وعطاء الله فيض لا ينقطع ومدد لا ينتهي.

وأمتنا اليوم وهي تعاني ما تعاني، وتكتوي بلظى الحروب والفتن أحوج ما تكون لإحياء معاني العطاء؛ لندفع الجهل الذي فشا بالعلم، والفقر الذي عم بالإنفاق والتنمية، واليتم الذي زاد بالكفالة والرعاية، والخوف الذي شاع بالأمن، والحرب بالسلام، والفساد بالرقابة والنزاهة، فهذا وقت العطاء، قال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره}.. نسال الله تعالى ان يبارك لنا ولكم في القرآن العظيم، وينفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.. وتذكروا أن العطاء ولو كان يسيراً فإن الله تبارك وتعالى يباركه وينميه، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً.

«مر رجل بغصن شجرةٍ على ظهر طريقٍ فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة».. 
وروي «أن امرأةً بغياً سقت كلباً يلهث، فغفر الله لها».

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج قناديل وضاءة - الدورة البرامجية 56 - الحلقة العاشرة.


 

 


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا