السعة في الرزق
2020/06/09
816

إن الإنسان مفطور على حب وجوده، وعلى سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، ففي حياته شيئان يعطيهما أهميةً كبيرة، هما أجله ورزقه، وكل ما يفعله الإنسان من انحرافات، ومجاوزات، وتعدياتٍ، إنما ينطلق من فكرة حفاظه على حياته، وحفاظاً على رزقه، فحب الحياة والحرص على الرزق وراء كل المعاصي والانحرافات، فالآيات قد تقترب من مئة آية، كلها تتحدث عن الرزق، فإذا تأملنا، وإذا تدبرنا، وإذا صدقنا ربنا عز وجل، كانت حياتنا حياةً أخرى ليس فيها تحاسد، ولا تباغض، ولا عدوان، ولا طغيان، ولا تجاوز، وان أول وهمٍ يتوهمه الناس في موضوع الرزق أن الرزق هو المال، وهذا مفهوم كثير من الناس اليوم.

لذلك أخواتي يجب أن نعلم ان المال أحد أنواع الرزق، ولكن الصحة رزق، والعلم رزق، وطاعة الله رزق، والحكمة رزق، والزوجة الصالحة رزق، والزوجة العفيفة رزق، والأولاد رزق، والمأوى رزق، والسمعة العطرة رزق، فإذا توهمت أن الرزق هو المال الذي يأتيك فهذا وهم خطير، المال نعم هو رزق ولكنه ليس كل الرزق، فالمال أحد أنواع الرزق، وهو وسيلة وليس غاية وهذه هي فالحقيقة الأولى؛ المال ليس هو الرزق كله، ولكنه بعض الرزق.

والحقيقة الثانية؛ أن الرزق هو ما انتفعت به، ولكن الذي لم تنتفع به ليس رزقاً، إنه كسب، وهذا فرق دقيق بين الرزق، وبين الكسب، الرزق هو ما أكلت فأفنيت، الذي تستهلكه، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، وأما ما فاض عن أكلك، وعن لبسك، وعن أعمالك الصالحة فليس لك، اكتسبته بجهدك، ومحاسب من قبل المولى جل وعلا؛ كيف اكتسبته؟ ولكنه ليس لك.

فيجب أن نفرق بين الكسب وبين الرزق، ويجب أن نؤكد أن الرزق هو كل ما انتفعت به من مال، أو من طعام، أو من شرابٍ أو من مأوى، أو من علمٍ، أو من مهارةٍ، أو من خبرة، أو من صنعة، أو من حرفةٍ، أو من صحة، أو من حواسك ؛ هذه كلها رزق.

نعم أخواتي إنه موضوع دقيق وحساس، ويتعلق به كل إنسان، وقد تستغربون ثانية أن تسعة أعشار المعاصي تأتي من كسب الرزق، وينقسم الرزق الى قسمين، رزق مادي هو الطعام هو ماء الأمطار، الشراب، الصحة، الأجهزة، الأعضاء، الحواس، المأوى، الثياب، هذا كله رزق مادي، ولكن الرزق الأخطر منه هو رزق القيم، أو الرزق الروحي، الرزق المادي ينتهي عند الموت مهما كان وفيراً، ولكن رزق القيم، ورزق الروح، هو الرزق الذي يبقى إلى أبد الآبدين:

فالرزق الحقيقى أيتها الأخوات هو ما انتفعت به بعد الموت، بل إن اهم واحسن أنواع الرزق هو الذي ينفعك بعد الموت، لذلك يقول تعالى ﴿وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون﴾.

وقال الله تعالى عن موسى(عليه السلام) حين سقى للفتاتين: ﴿قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير* فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خيرٍ فقير﴾.

هذا هو الرزق، العمل الصالح من أجل أنواع الرزق، لماذا ؟ لأنه ينفعك إلى أبد الآبدين وادخلوا الجنة بما كنتم تعملون.

﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾.
لذلك أخواتي يجب أن تؤمن أن أغنى الأغنياء في الدنيا هو الذي أكرمه الله بالأعمال الصالحة، لأنها النقد المتداول في الآخرة، فالإنسان في الدنيا قد يسكن بيتاً فخماً، قد يملك الآلاف المؤلفة، قد يملك كل وسائل الراحة فإذا جاء الدار الآخرة، يقول: بيتي! مرفوض، أهلي، مركبتي، معملي، هذه عملات مرفوضة، أين العمل الصالح؟ لذلك يقول أمير المؤمنين"ع": (الغنى والفقر بعد العرض على الله)، فأنت غني بما كل ما في هذه الكلمة من معنى إذا أجرى الله الخير على يديك الخير، إذا جعلك مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، إذا جعل عملك مشروعاً، إذا جعل عملك فيه نفع للمسلمين.

فإذا أردنا أن لا نزدري نعمة الله علينا فلنسأل انفسنا عن الحظوظ التي أكرمن الله بها وفى مقدمتها حظ الإيمان، وحظ العرفان، وحظ معرفة الله، وحظ الالتزام على أمر الله، وحظ السمعة الحسنة، وحظ طيب الرزق، وحظ العمل الصالح، هذا كله من الرزق، قال بعض المفسرين في قوله تعالى:﴿والله فضل بعضكم على بعضٍ في الرزق﴾.

نعم أيتها الأخوات أن الله عز وجل ضمن لكل واحد رزقه، ولكن الرزق مضمون ومقسوم، ضمن رزق فلان وقسمه له قليلاً، وضمن رزق فلان، وقسمه له وفيراً، فما العوامل التي تزيد في الرزق ؟ وما العوامل التي تضعفها ؟ قال تعالى :﴿فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن﴾.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج قناديل وضاءة-الحلقة الخامسة-الدورة البرامجية56.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا