"التعليم بروح الإنسانية:
2024/07/27
138
"التعليم بروح الإنسانية: تجربة معلمة في غرس القيم التربوية"

انعام حميد الحجية

هذه السنة الأولى التي أتعيّن فيها معلمة. بدأت أنمّي تجربتي كمعلمة، وخبرتي في سوح الرؤى الإنسانية التي تعلمتها من مديرتنا الناشطة إنسانيًا، فهي طوّعتنا للعمل الإنساني، وأذقتنا طعم العمل الخيري. وعرفت حينها كم هو سعيد من يعيش مع الناس بالرحمة والمجاملة الحسنة والعطف كقيمة تربوية.

في حياتي كمعلمة، صرت أحمل معي دفتري لتسجيل كل حالة من الحالات التي تشعرني بالسعادة. أدوّن فيه زياراتنا لمستشفيات الأطفال، ونهتم بحالات الأطفال الخاصة كالأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة. وكنا نتبرع لرعاية الكثير من الأمور التي أشعرتنا أن المادة ليست بذات قيمة لو تخلى المضمون الإنساني. وكنا نشترك جميعًا في ثمن الهدايا، أمر محبب إلى نفسي. صرت أحب وظيفتي بسببها، وأعشق هذه الأعمال الإنسانية التي جذبت الكثير من معلمات المدارس الأخرى للاشتراك في مثل هذه الزيارات الإنسانية الرائعة.

يفرح الإنسان كثيرًا عندما يعرف أنه أصبح قدوة للآخرين، ولذلك كنت أنقل ما أكتب لطالباتي، فأراهن ينسجمن لهذا الفعل وهذه الحالة السليمة لغرس المحبة والعاطفة والعمل الإنساني. كنت أحاور في مثل هذه الزيارات هؤلاء الأطفال بشكل يفرحني حين أفرحهم وأفرح قلوبهم. براءة الأطفال لا نجدها إلا عند الأطفال، ولهذا أسجل في دفتري كل كلمة يكتبونها لي أو كلمة أسمعها منهم. اليوم سأقرأ لكم ما سجلت في زيارتنا الأخيرة.

أخبرتنا المديرة الست نجوى إبراهيم أن تكون زيارتنا لمستودع خيري وكان فيه مجموعة من الأطفال الأيتام. سجلنا الأسماء وجمعنا التبرعات، وذهبنا إلى هذا المستودع، وحدثت المفاجأة التي كنت لا أتوقعها تصدر من وعي طفل صغير رفض استلام الهدايا، وقال: "الأيتام أولى مني بها". قلت له: "وأنت يا حبيبي؟" نظر في وجهي مبتسمًا وقال: "أنا لست يتيماً!" فقلت له: "إذن، ما الذي أتى بك إلى هنا؟" قال: "هم هكذا يفعلون بنا دائمًا، يعتبرون أن أبناء الشهداء أيتام. أبي حي يرزق، وهو لا يزال في قلبي حي يرزق، ويتنفسني أبي وأتنفسه. أرجوكم لا تفجعونا في مشاعرنا نحن أولاد الأحياء". لم يبقَ أمامي إلا أن أقبّله وأقبّل فيه روح الشهادة. قلت له وسط دهشة الحضور: "ما دمت رفضت هديتنا فاختر لنا هدية بحجم محبتنا". قال: "ست، لنقرأ الفاتحة للشهداء، فهي الأجمل والأنقى".
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا