خطورة الجهل
2024/04/19
192

عندما تعصف بالعالم الأزمات والكوارث الطبيعية، تبقى مأساة الجهل واحدة من أبشع الكوارث التي تهدّد نسيج المجتمعات وتعيق تقدمها، هذا الشرّ أخذ يتفشّى ويتغلغل في العقول ويعطّل مسيرة التطور، فالجهل لا يترك وراءه دماراً مادياً يمكن إصلاحه، بل يمزّق قدرة الإنسان على التفكير الرشيد ويزيحه بعيداً عن إدراك الواقع الذي يعيشه، يُفقّر العقل ليصبح عاجزاً عن تقدير العلم ومحصناً ضد اكتساب الحقائق، ويُسلب الفرد طموحه للسعي وراء إبداع أفضل لواقعه ومستقبله. يتجسّد خطر الجهل بشكل جلي في الحواجز التي يبنيها أمام المعرفة والإبداع، ويسهم في تعميق الفجوات الثقافية والاجتماعية، ويتسبب في اندلاع النزاعات والانقسامات داخل المجتمع ويعد العائق الأكبر أمام كل جهود التنمية والمعرفة.

إن الجهل يعيق الحوار ويقف حاجزاً أمام التفاهم الإنساني، بل يعمل على إعاقة القدرة على البناء والتعافي بعد الكوارث. لذلك، يصبح من الضروري جداً محاربة الجهل بكل وسيلة ممكنة من خلال تعزيز دور التعليم والتوعية؛ فهو الركيزة الأساسية لبناء مجتمع قوي ومستنير وقادر على مواجهة تحديات العصر والتغلّب على أشد الكوارث فتكاً، وهي كوارث الجهل التي تُفقد الإنسان جوهره وتعرقل مسيرته نحو مستقبل أفضل.

يوضّح القرآن الكريم في آياته الكريمة كيف أن الناس غالباً ما يرفضون المعرفة التي تتخطّى حدود فهمهم، جاهلين بذلك حقائق لم تسنح لهم فرصة استيعابها، قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه﴾ (يونس: ٣٩).

لقد جلبت تلك الجهالة المستندة على أنظمة تقليدية تفتقر إلى الأدلة الرصينة والمنطقية، احتفاء بأفكار وعادات لم تكُن مبنية على ثوابت معتبرة في أوساطهم، بل ربما تطور الأمر إلى تأليه هذه الاعتقادات.. وسببت هذه الظاهرة في التشكيك بالمعلمين الإلهيين والرفض القاطع للدلائل والمعجزات؛ لمجرد تعارضها مع تقاليدهم الراسخة.

(العداء للجهل ينبع من الجهل ذاته)، ليس بسبب غياهب الجهل وحسب، بل لتمسكهم بعاداتهم وأعرافهم، في التأريخ، كان هذا الجهل متمثلاً برفض ولاية الإمام علي (عليه السلام)؛ لأنه الأصغر سنّاً في رواية الدار، وهمّشوا قيمة أبي طالب (عليه السلام)؛ بزعمهم أن ابنه أصبح الوصي، وهذه الضربة بقت مرتبطة ندفع ثمنها إلى يومنا هذا، وتلك من مظاهر الصراع مع الجهالة.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الخميس/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 980.
الشيخ حسين التميمي


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا