القضاء والحمد
2024/04/28
211

((اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في اَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدينِكَ، اِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ الْمُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ)).

الدعاء هو حاجة فطرية عند الإنسان، ومن الطبيعي أن يتعرض الإنسان خلال حياته الاجتماعية المعقدة إلى مشاكل يصعب عليه حلها أحيانًا، ويتعرض أحيانًا أخرى إلى حالات حرجة يشعر فيها أنه هالك لا محالة، فنراه يلجأ ويتوسل بقوة غَيبيَّة يعتقد أنها قادرة على إنقاذ قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله)، تشتمل هذه الفقرة من دعاء الندبة على جملة من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها وعدم إغفالها منها الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره حيث تشتمل أيضا على تفصيل في معرفة القضاء والقدر من حيث الاصطفاء والاستخلاص، فما يجري من القضاء والقدر على أولياء الله (عليهم السلام) إنَّما يكون من أجل دفعهم في سلّم الكمال، وهو قدرهم إذ أنهم سلّموا أمرهم لله تعالى وذلك ينبع عن توجه النفس لفعل من الأفعال، دون وجود تعارض بينهما وذلك ينتج من التسليم والتفويض اليه.

وفي رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال لزيد بن علي (رضوان الله عليه): "وأمر الله يجري لأوليائه بحكمٍ موصول وقضاء مفصول، وحتم مقضي، وقدر مقدور، وأجلٍ مسمّى كوقت معلوم، فلا يستخفّنك الذين لا يؤمنون ((إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا)).

الأمر الآخر وهو الإذعان لقضاء الله تعالى: حيث تبدأ هذه الفقرة بذكر الله تعالى وتنسب كلّ نعم الوجود إلى ألوهيته وهي في الوقت نفسه تلزم الإنسان بأنّ يخضع منتهى ألوان الخضوع من خلال الحمد والشكر لتلك النعم مع يقين بأنّ كلّ نعمة صدرت وتصدر إنَّما هي من معدن ومنبع الألوهية، والنفس المستخلصة والتي وقع عليها الاختيار الإلهي ترى أنّ ذلك يوجب الحمد وأنه في كلّ الأحوال لا يفرّق فيه بين سرّاء أو ضرّاء.

كما في حديث الإمام الباقر (عليه السلام) مع جابر بن عبد الله الأنصاري حينما سأله (عليه السلام) عن أحواله فقال جابر: "أحبّ المرض على الصحة والموت على الحياة والشيخوخة على الشباب، فقال له الإمام الباقر (عليه السلام): "أمّا أنا يا جابر فإنْ جعلني الله شيخًا أحبّ الشيخوخة، وإن جعلني شابًا أحبّ الشيبوبة، وإن أمرضني أحبّ المرض، وإن شفاني أحبّ الشفاء والصحة، وإن أماتني أحبّ الموت وإن أبقاني أحبّ البقاء".

ولذلك ينبغي أن يلتفت الإنسان المؤمن، إلى الإشارات اللطيفة التي يتضمنها هذا المقطع من سموّ النفس ورقيها وتهذيبها وإعطائها نوعًا من الدربة التي تتولّد لديه من إذعانه كلّما اشتدّ به البلاء أملاً في استخلاص نفسه لنفس الباري وذوبان وجوده في دينه، وإن هذا السمو الرفيع هو الأنموذج الذي أمرنا بالاقتداء به والمتمثِّل بتلك المكارم التي إنَّما بُعث رسول الله (صلى الله عليه وآلة وسلم) ليُتمّمها في النفس الإنسانية.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج ندبة المجد الأثيل - الحلقة الأولى - الدورة البرامجية 79.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا