أكثر مَن تحدث عن الدنيا
2024/04/07
274

إن أكثر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) تناولاً وتحدثاً عن الدنيا هو الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وقد يكون حسب التتبع أكثر الرجالات الإلهية تناولاً لهذا الموضوع، ويمكن تعليل ذلك بنقاط:

١- تمتع الأمير (عليه السلام) بالبعد العقلاني والحكمي وسط مجتمع تحكمه مفردات الجهل، بما أفاضه الله تعالى عليه من حكمته، ويمكن اعتبار ذلك اختصاصاً وامتيازاً من الله سبحانه، حيث اختصه بهذه الميزة بنوع من الاهتمام والعناية عن سائر الأولياء والأوصياء (عليهم السلام)، بل وحتى الأنبياء (عليهم السلام).

٢- فُسح له المجال أن يؤسس للحكمة والعقلانية في الأجواء الاجتماعية بعد رحيل النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، فقد كانت وظيفة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى جنب الرسالة تفسيرها وتوضيحها في المدة التي عاشها، في حين توجه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى توضيح الرسالة الإلهية بجانبها الحكمي والعقلاني الذي كان يفتقر إليه المجتمع.

٣- عُرف عن الأمير (عليه السلام) زهده ومحاربته الدنيا بكل أشكالها وصورها، وصبره على مكارهها ومصائبها ونوائبها، لذلك ختم حياته بمقولته الخالدة: (فُزْتُ ورَبِّ الكعبةِ)، وهذه أعظم رسالة استصغار من الإمام (عليه السلام) للدنيا بجانبها المظلم والسيئ، حيث إنها لم تغرّه يوماً ما، ولم تنَل منه، بل نال منها وأشبعها مرارة، وكسر شوكتها، وقلّل منها، وبيّن ضعفها وضعتها.

وتناول الأميرُ (عليه السلام) الدنيا في خطب كثيرة بلغت زهاء (١٢ خطبة)، وتكررت لفظة الدنيا في نهج البلاغة فقط بما يقرب من (١٤٥ مرة)، وفي غير نهج البلاغة إلى حدٍّ يصعب إحصاؤه.

وهنا يأتي الدور إلينا لنقول: لماذا اهتم الإمام علي (عليه السلام) بموضوع الدنيا، حيث أولاه أهمية كبرى في تراثه الرائع؟!

دعونا نفكر في هذا الموضوع جيداً، ونحاول الرجوع إلى نهج البلاغة لنفهم كيف تحدث عن الدنيا، ونستخلص من فكره (عليه السلام) بعض العبر الحكيمة والمعاني الجليلة.

لنتأمل هذه المقطوعة الرهيبة التي رُويت في نهج البلاغة عن ضِرار بن ضَمرة من أصحاب الإمام علي (عليه السلام):

«يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا، إِلَيْكِ عَنِّي، أَبِي تَعَرَّضْتِ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ؟ ‏لاَ حَانَ حِينُكِ! هيْهَات! غُرِّي غَيْرِي، لاَ حاجَةَ لِي فيِكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا! فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ، ‏وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَطُولِ الطَّرِيقِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَعَظِيمِ المَوْرِدِ».

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 963.
الشيخ حسن الجوادي

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا