كيف يدل تنوع الموجودات على وجود الله تعالى؟
2024/04/01
214

إن القرآن المجيد يشير الى مسألة التوحيد في الآية رقم 27-28 من سورة فاطر، ويفتح صفحة جديدة من كتاب التكوين أمام ذوي البصائر من الناس، لكي ترد بعنف على المشركين المعاندين ومنكري التوحيد المتعصّبين.

هذه الصفحة المشرقة من كتاب الخلق العظيم تلفت الأنظار إلى تنوّع الجمادات والمظاهر المختلفة والجميلة للحياة في عالم النبات والحيوان والإنسان، وكيف أن الله سبحانه جعل من الماء العديم اللون الآلاف من الكائنات الملوّنة، وكيف أنه تعالى خلق من عناصر معينة ومحدودة موجودات متنوّعة أحدها أجمل من الآخر!

فهذا النقّاش الحاذق أبدع بقلم واحد وحبر واحد أنواع الرسوم والأشكال التي تجذب الناظرين وتحيرهم وتدهشهم.

في البداية تقول الآية الكريمة: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً الوَانُهَا..﴾..
إن شروع هذه الجملة بالاستفهام التقريري، وبتحريك حسّ التساؤل لدى البشر، إشارة إلى أنّ هذا الموضوع جلي إلى درجةٍ أنّ أي شخص إذا نظر من موقع طلب الحقيقة أبصرها، نعم، يبصر هذه الفواكه والزهور الجميلة والأوراق والبراعم المختلفة بأشكال مختلفة تتولّد من ماء وتراب واحد.

«ألوان»: قد يكون المراد «الألوان الظاهرية للفواكه» والتي تتفاوت حتى في نوع الفاكهة الواحد؛ كالتفّاح، الذي يتلوّن بألوان متنوعة، ناهيك عن الفواكه المختلفة. وقد يكون كناية عن التفاوت في المذاق والتركيب والخواص المتنوّعة لها، إلى حدّ أنّه حتى في النوع الواحد من الفاكهة توجد أصناف متفاوتة، كما في العنب مثلاً، حيث إنّه أكثر من 50 نوعاً، والتمر أكثر من سبعين نوعاً.

ثمّ تُشير الآية إلى تنوّع أشكال الجبال والطرق الملوّنة التي تمرّ من خلالها وتؤدّي إلى تشخيصها وتفريقها الواحدة عن الأُخرى، فتقول: ﴿وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ الوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾.

وهذا التفاوت اللوني يُضفي على الجبال جمالاً خاصّاً من جهة، ومن جهة أُخرى، يكون سبباً لتشخيص الطرق وعدم الضياع فيما بين طرقها المليئة بالالتواءات والانحدارات، وأخيراً فهو دليلٌ على أنّ الله تعالى على كلّ شيء قدير. وفي الآية التالية تطرح مسألة تنوّع الألوان في البشر والأحياء الأُخرى، فيقول تعالى: 
﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ الوَانُهُ﴾.

أجل، فالبشر مع كونهم جميعاً لأب واحد وأُمّ واحدة، إلّا أنّهم عناصر وألوان متفاوتة تماماً، فالبعض أبيض البشرة كالوفر، والبعض الآخر أسود كالحبر، وحتى في العنصر الواحد فإنّ التفاوت في اللون شديد أيضاً، بل إنّ التوأمين الذين يطويان المراحل الجنينية معاً، واللذين يحتضن أحدهما الآخر منذ البدء، إذا دقّقنا النظر نجدهما ليسا من لون واحد، مع أنّهما من نفس الأبوين، وتمّ انعقاد نطفتيهما في وقت واحد، وتغذّيا من غذاء واحد.

ناهيك عن التفاوت والاختلاف الكامل في بواطنهم عدا أشكالهم الظاهرية، وفي خلقهم ورغباتهم وخصوصيات شخصياتهم واستعداداتهم وذوقهم، بحيث يتكوّن بذلك كيان مستقل منسجم بكلّ احتياجاته الخاصّة.

في عالم الكائنات الحية أيضاً يوجد آلاف الآلاف من أنواع الحشرات، الطيور، الزواحف، الحيوانات البحرية، الوحوش الصحراوية، بكلّ خصائصها النوعية وعجائب خلقتها، كدلالة على قدرة وعظمة وعلم خالقها.

حينما نضع قدمنا في حديقة كبيرة من حدائق الحيوان فسوف نصاب بالذهول والحيرة والدهشة بحيث أننا -بلا وعي منا- نتوجه بالشكر والثناء لله المبدع لكل هذا الفن الخلاب على صفحة الوجود.. مع أننا لا نرى أمامنا في تلك الحديقة إلا جزء من آلاف الأجزاء من الموجودات الحية في العالم.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرة الكفيل/ نشرة أُسبوعيةٌ ثقافيةٌ (مجانية) تصدر عن العتبة العباسية المقدسة/ العدد 961.
(يُنظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج14/ص73-76)

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا