استجابة الدعاء
2024/03/24
204


"إلهي جودك دلني عليك وإحسانك قربني إليك"
القرب من الله تعالى ليس هو من قبيل القرب المكاني أو الزماني، كالذي يحصل بين الأشياء المادية، لأن الله تعالى ليس بجسم، وهو منزه عن ذلك، بل هو المحيط بكل زمان ومكان، ولذلك فإن الله تعالى هو قريب من جميع خلقه ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ ويقول تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾
 ولو كان معنى القرب من الله هو القرب المادي لكنا نحن أيضاً قريبين منه كما هو قريب منا، فإن الأشياء المادية تتقارب بالنسبة نفسها من بعضها بعضاً.

 فإن (أ) إذا كان قريباً من (ب) فلابدّ أن يكون (ب) قريباً من (أ) أيضاً، وهذا المعنى من القرب مختص بعالم الماديات ولا ينطبق على الله تعالى، فإنه قد يكون الله تعالى قريباً منك وأنت بعيد عنه، وإنما المقصود بالقرب من الله هو الطاعة والانقياد والتسليم له تعالى والتخلق بما أمر به ودعا إليه من تطبيق أحكامه وشرائعه.

سأل (أبو قرة) الإمام الرضا (عليه السلام): فمن أقرب إلى الله؟ الملائكة أو أهل الأرض؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): إن كنت تقول بالشبر والذراع فإن الأشياء كلها باب واحد هي فعله، لا يشتغل ببعضها عن بعض، يدبر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله، ويدبر أوله من حيث بدبر آخره، من غير عناء ولا كلفة ولا مؤونة ولا مشاورة ولا نصب، وإن كنت تقول: من أقرب إليه في الوسيلة؟ فأطوعهم له.

ولو نظرنا الى الدعاء نجده عملاً من أعمالِ القلب ووسيلة للقرب من المولى تعالى.. فعندما يدعو الإنسان ربه، أي أنه تُوجد حُزمة نورية، متصلة بين قلبه وبين العرش، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. لأنه عندما يدعو يعيش وجود المخاطب، ويقترب من المدعو، فتتولد عنده مشاعر ممزوجة بين: الحب، والرغبة، والخوف، والمسكنة.. فينظر إلى افتقاره ومسكنته، فيتفاعل ويتفاعل، وأعصاب سلسلته العصبية تُوجد ارتباطاً بين القلب والعين، وإذا بالدموع تجري!

إن هنالك بحثاً بين العلماء: هل الدعاء اللفظي فيه أجرٌ أم لا؟ فالتكامل القربي مفروغ من عدمه؛ لأن القرب متوقف على الدعاء الصادر من القلب.. 
ولعل الرأي الذي هو أقرب إلى رحمة الله عزو وجل أن هنالك أجراً ما ولو كان أجراً بسيطاً؛ لأن اللسان الذي يذكر الله عز وجل في ليلة الجمعة ولو ساهياً، ليس كمن لا يدعو أصلاً! 

وعن ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله:
“اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي‏ مِنَ‏ الْمُتَوَكِّلِينَ‏ عَلَيْكَ‏، الْفَائِزِينَ لَدَيْكَ، الْمُقَرَّبِينَ إِلَيْكَ، بِإِحْسَانِكَ يَا غَايَةَ الطَّالِبِينَ”.

إذا عدنا الى حنايا الشهر الفضيل نجد ان في سياق آيات الصيام جاءت لفتة عجيبة تخاطب أعماق النفس، وتلامس شغاف القلب، وتسرِّي عن الصائم ما يجده من مشقة، وتجعله يتطلع إلى العوض الكامل والجزاء المعجل، هذا العوض وذلك الجزاء الذي يجده في القرب من المولى جل وعلا، والتلذذ بمناجاته، والوعد بإجابة دعائه وتضرعه، حين ختم الله آيات فرضية الصيام بقوله سبحانه "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون".. فهذه الآية تسكب في نفس الصائم أعظم معاني الرضا والقرب، والثقة واليقين، ليعيش معها في جنبات هذا الملاذ الأمين والركن الركين.

كما أنها تدل دلالة واضحة على ارتباط عبادة الصوم بعبادة الدعاء، وتبين أن من أعظم الأوقات التي يُرجى فيها الإجابة والقبول شهر رمضان المبارك الذي هو شهر الدعاء.. كذلك من العبارات التي تفتح باب الأمل كثيراً، تلك العبارات المنقولة في آخر دعاء كميل: "واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك، وأقربهم منزلةً منك، وأخصهم زلفةً لديك"..

"وما أطيب طعم حبك وما أعذب شِربَ قربك"

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج نحن أقرب إليه - الحلقة الرابعة - الدورة البرامجية 78.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا