الآثار التربوية للدعاء
2024/03/24
294

"إِلَهِي انظُر إِلَيّ نَظَرَ مَن نَادَيتَهُ فَأَجَابَك وَاستَعمَلتَهُ بِمَعُونَتِك فَأَطَاعَك، يا قَرِيبا لا يبعُدُ عَنِ المُغتَرِّ بِهِ وَيا جَوَادا لا يبخَلُ عَمَّن رَجَا ثَوَابَهُ"
توجد أنواع عديدة للقرب، ومنها القرب المكاني: وهو تقارب شيئين من حيث المكان.

هناك القرب الزماني: وهو تقارب شيئين من حيث الزمان، وهذه المعاني ليست هي المقصودة في تعبيرنا "القرب من الله".
اما القرب المجازي: كأن نقول إن فلاناً قريب من فلان بمعنى أنه يحبه.
ولكن القرب الحقيقي: وهو نحو رابع مختلف عما سبق، يظهر معناه من خلال النفس البشرية، بأنها في حركة مستمرة حقيقية وواقعية. 

من هنا كان لا بد لها في حركتها هذه على الصراط المستقيم من أن تصل إلى مقام القرب، فالقرب هو بمعنى: تكامل النفس وارتقائها المعنوي والروحي، وبلوغها تلك الدرجات العالية في سيرها وسلوكها إلى الله تعالى. يقول تعالى:﴿إِن كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّون َ* كِتَابٌ مرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَربُونَ ﴾، السابقون هم المقربون.

والقرآن الكريم حدد من هم المقربون، فنجده يقسم البشر يوم القيامة إلى فئات:
أصحاب الميمنة: وهم السعداء، وهم الذين كتبت لهم النجاة من العذاب.
أصحاب المشأمة: وهم الأشقياء؛ وهم المعذبون بالنار.
السابقون: وهم الذين نالوا درجة القرب الإلهي.
يقول تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسابِقُونَ السابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَربُونَ * فِي جَناتِ النعِيمِ﴾.

ولكي يصل الإنسان إلى درجة القرب الإلهي عليه أن يحقق شروطه: وهذه الشروط هي عبارة عن: المعرفة والإيمان.
فالمعرفة والإيمان بالله تعالى هما أساس التكامل والقرب الإلهي، إن من لا يعرف هدفه، والمصير الذي يؤول إليه، ولا يؤمن بهما، فإنه لن يسعى للتزكية والقرب من الله تعالى، ولذلك فإنه لن يقطع مسافة على الصراط المستقيم؛ وبما أنه في الدنيا لم يطوِ الطريق فإنه في الآخرة لن يجوز الصراط.
إن من لا يعرف الآخرة ولا يؤمن بها، فإنه لن يسعى لقطع المسافة على الصراط المستقيم، بل سيضل عنه، ومن يضل عنه في الدنيا فإنه لن يتجاوزه في الآخرة؛ لذا على السالك أن يسعى لتقوية إيمانه وزيادة علمه حتى يرتقي أكثر في مقام القرب. 
 
وثمة شرط ثالث للقرب وهو العمل المقرون بالإيمان، فإن عمل الإنسان حتى لو كان عملاً صالحاً فإنه لن يثمر تلك الحياة الطيبة إذا لم يكن مقروناً بالإيمان، فالإيمان شرط أساس لوصول الإنسان إلى الحياة الطيبة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾، والطيِّب لا يبقى في الأسفل بل يصعد إلى الله تعالى، حيث مقام القرب، يقول تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيِّبُ وَالْعَمَلُ الصالِحُ يَرْفَعُهُ﴾.

ولنا في صيام شهر رمضان المبارك فرصة لهذا القرب والسمو لان فرائضه من أحب الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر لنا الله سبحانه وتعالى أجر بعض العبادات وجعل ثوابها مضاعفاً وأجرها كبيراً.

ويعدّ الدعاء في شهر رمضان المبارك من العبادات التي ينشط لها المسلم ويجتهد بها، فالدعاء في شهر رمضان أرجى للقبول وأقرب للإجابة، لان النفس توّاقة للعبادة والطاعة. والدعاء في هذا الشهر المبارك الفضيل يخرج من قلب زاهر ولسان ذاكر.

اذن الإيمان بالله تعالى وبالمعاد، والمعرفة بهما، وعظمة الشهر الفضيل كلها عوامل تساعد الإنسان على الوصول إلى مقام القرب الإلهي، ولا يمكن أن يصل إلى درجات القرب من لم يطهر نفسه من دنس المعاصي ومساوئ الأخلاق، فالتزكية أساس لمن عزم على أن يكون من المقربين.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج نحن أقرب إليه - الحلقة الثالثة - الدورة البرامجية 78.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا