التأثير المُستقِل للدعاء
2024/03/24
265

"إلهِي ما أَلَذَّ خَواطِرَ الإِلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ، وَما أَحْلَى الْمَسِيرَ إلَيْكَ بِالأَوْهامِ فِي مَسالِكِ الْغُيُوبِ، وَما أَطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ، وَما أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ"
حينما يميل الإنسان بتوجهه من المادّيات نحو الله يستشعر من الجاذبيّة بينه وبين ربّه ما لا يمكن وصفه. حينذاك يرى نفسه قريباً منه عز وجل؛ ويرى الله تعالى قريباً منه، فالمولى ليس ببعيد عنّا؛ فهو يقول في كتابه الكريم: "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" بيد أنْنا نحن الذين نوجد أسباب ابتعادنا عنه عز وجل بأعمالنا وتصرّفاتنا المشينة.

فإن كفَّ الإنسان عن أفعاله السيئة؛ ونبذ غرائزه الدنيويّة فقد اقترب من الله تعالى، يقول الإمام السجاد “عليه السلام": "أنّك لا تحتجب عن خلقك إلاّ أن تحجبهم الأعمال دونك"..

والقرب على نوعين: قرب تكويني وقرب روحي.
القرب التكويني هو ان الله عز وجل أقرب لكل مخلوق من نفسه ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ فهو أقرب إليك من قلبك ومن نفسك، هو أقرب لكل مخلوق من نفسه.
أما القرب الروحي: فهو روح الرحمة، وفي قوله عز وجل ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، إن الله  تعالى قريب من كل شيء، لكن بالنسبة للمحسنين وراء القرب التكويني يوجد نوع آخر، وهو القرب الروحي وهو عبارة عن قرب الرحمة والعناية الذي عبر عنه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ هذا تعبير كناية عن القرب الروحي، هذا القرب الروحي هو المشار إليه في الآية المباركة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عني﴾ بمعنى عبادي المقبلون علي وعلى عبادتي، هؤلاء إذا سألوا عني فإني قريب منهم لا قرباً تكوينياً لأن القرب التكويني موجود مع كل المخلوقات، وإنما المقصود بالقرب الروحي ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ معناه أني قريب منهم قرب الرحمة وقرب العناية والاهتمام، ولأجل قربي منهم قرب الرحمة والعناية لذلك ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾..

ولكن الدعاء ليس حالة بروتوكولية، بأن يمسك الإنسان الكتاب ويتوجه للقبلة، ويجمل صوته، إن مثل هذه الأمور وغيرها كالوضوء مطلوبة، لكن بشكل عام هناك خط مفتوح لمخاطبة الله تعالى، في أي وقت ولأي شيء، ورد عن النبي "صلى الله عليه وآله": (إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء)..

وفي بعض الأحيان يرى الإنسان أن الأمر قد انتهى، فما عاد يجدي الدعاء، ولكن النصوص تشير إلى أهمية استمرار الدعاء، فلعلّ الله يوجد فرجًا ومخرجًا، أو يعطيك أمرًا آخرًا، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام": "كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو".

فلنستثمر هذا الشهر الكريم، ليس فقط ليلة القدر وأياماً معينة، بل أن نأخذ هذا النهج مع الله، لننفتح أكثر على ربنا قُرباً وحُباً ونطلب منه كل شيء لأمور الدنيا والآخرة، لنا ولغيرنا.. ولنثق بأن دعواتنا غير ضائعة عند خالقنا، والمتفضل علينا، فكما تشير النصوص الكثيرة إلى أن الإنسان إذا دعا ربه فلا يخلو الأمر من ثلاث:

ـ إما أن يجيب له ما طلب، أو يعطيه ما هو خير منه في الدنيا أو الآخرة.
ـ أو يدفع الله عنه بلاء وسوءًا.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج نحن أقرب إليه - الحلقة الأولى - الدورة البرامجية 78.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا