رحيق من عطور كلام يعسوب الدين وإمام الغر المحجلين نتناوله اليوم إذ قال مولانا عليه السلام: "غضّ الطّرف من أشرف الورع"..
إن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وضع قاعدة راسخة في تجنب الوقوع بالحرام وذلك عن طريق غض البصر للمسلم والمسلمة لأن النظر مدخل من مداخل الشيطان كما أوضح ذلك نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف: (النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها خوفاً من الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه)..
نعم إنها حلاوة تمسي في قلب المؤمن والمؤمنة فالعفة زينة المؤمن وشرفه الحصين من الوقوع في الموبقات، إن التأكيد على غض البصر كان في زمن يصعب فيه الاختلاط بين النساء والرجال أو حتى النظر الطويل بينهما ولكن مع ذلك كان هناك تأكيد على غض البصر ومن الأسباب التي كانت تقلل من إثارة الريبة والشك في تلك المجتمعات الإسلامية في صدر الإسلام منها:
أولاً/ نوع الزي الإسلامي الذي كان سائداً في ذلك الوقت ولا سيما في عهد الإمام علي عليه السلام، وكذلك الزي العربي بشكل عام كان من الأزياء المحافظة والملتزمة وغير المفتوحة.
ثانياً/ من المعروف أن النساء الذين يمثلون علية القوم يرتدون غطاء للرأس في أكثر البلدان حتى في غير البلاد الإسلامية أو العربية وهذا يدل على شموخ المرأة وعزتها عند الطبقات الراقية وأنهن ذات جاه ومقام عالي، وهذا الزي المحافظ لا يثير الريبة والشك كالزي المتداول في العصور المتأخرة.
ثالثاً/ قلة الأماكن الترفيهية في الزمن الماضي وإن وجدت فهي على نطاق ضيق للغاية ولبعض العوائل المترفة جداً.
هذه بعض الأسباب التي ذكرناها والتي تبين قلة اختلاط الرجل مع المرأة في ذلك الزمن الذي رويت فيه هذه الرواية الشريفة، فكيف بنا اليوم ونحن نعيش الاختلاط في كل مكان في مجتمعاتنا ومع ذلك نلاحظ أن الكثير من النساء اللاتي دخلن معترك الحياة الصعبة وحافظن على عفتهن ودينهن من الضياع، إذاً هناك مسؤولية تقع على الطرفين الرجل والمرأة في اجتناب النظرة المحرمة فالوازع الديني هو من يرشدنا الى وضع الخطوط الصريحة في كيفية تحديد هذا الاختلاط وعدم الانجرار في النظرات المحرمة إذ ليس كل اختلاط يؤدي الى الحرام.
أما اليوم فإن المرء يستطيع وهو جالس في غرفة مغلقة أن يقع بصره على الحرام عن طريق التلفاز أو جهاز الموبايل، وهذا الحرام الذي تغلل في بعض البيوت أدى الى الكثير من الخلافات الزوجية والمشاحنات التي ربما تصل الى الانفصال، إذ يؤكد علماء النفس أن هناك ادمان على هذه الأجهزة والتي تأتي بالغت والسمين من المواضيع ويكون النظر الحرام ملازم لبعضها.
والإسلام كان واضح في تفصيل
النظرات فلقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (أول
النظرة لك، والثانية عليك ولا لك، والثالثة فيها
الهلاك)،
النظرة الأولى العابرة غير المتقصدة
لا إثم فيها، كما أن الشارع المقدس قد حث الرجل على غض البصر
ومكافأته فلقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من نظر
إلى امرأةٍ فرفع بصره إلى السماء، أو غمض بصره؛ لم يرتدّ إليه بصره
حتى يزوّجه الله عزّ وجلّ من الحور العين)، وعليه أن يتذكر قول أمير
المؤمنين عليه السلام: (من غض بصره؛ أراح قلبه)، وذلك لأنه عصم نفسه
من غضب الرب وفاز بمجاهدة النفس وباع الدنيا بثواب الأخرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج (من رحيق
البلاغة) الدورة
الــ 76 -
الحلقة الثانية.
مواقع التواصل ودورها في تفكيك المجتمع