لقد ذكرت بعض الروايات الشريفة أنّ الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في زمان غَيبته يستوحش من الغَيبة، فمن ذلك ما رواه الكليني (رحمه الله) بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ، ولَا بُدَّ لَه فِي غَيْبَتِه مِنْ عُزْلَةٍ، ونِعْمَ المَنْزِلُ طَيْبَةُ، ومَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ» (الكافي: ج١/ص٣٨٨).
فالإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) -بطبيعة الحال- إنسان طرأت عليه الغَيبة، ومقتضى إنسانيته أن يعيش في مكان، وأن يجري عليه عند عيشه ما يجري على الناس، فتأتي لابدية أخرى يحدّدها هذا الحديث المعتبر من كونه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يتعرَّض بسبب الغَيبة إلى وحشة، فيحتاج حينئذٍ إلى ما به ترتفع هذه الوحشة.
فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه
السلام) أنه قال:
«إن الخضر (عليه السلام) شرب
من ماء الحياة، فهو حي لا يموت، حتى يُنفَخ في الصور، وأنه لَيأتينا
فيسلّم، فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنه لَيحضر حيث ما ذُكِر، فمَن
ذكره منكم فليسلِّم عليه، وإنه لَيحضر الموسم كل سنة، فيقضي جميع
المناسك، ويقف بعرفة، فيؤمِّن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس اللهُ به
وحشةَ قائمِنا في غَيبته، ويصِلُ به وحدته» (كمال الدين:
ص٤٢٠).
إلّا أنه توجد روايات أخرى تنص على أن الأئمة (عليهم السلام) -بل وغيرهم- يرونه، وأن بعضهم كأمير المؤمنين (عليه السلام) يعرفه بشخصه وهويته كما في (الكافي: ج١/ص٥٢٥/ح١)، وهذا الوصف ورد في حق الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بأنه يحضر الموسم كل سنة، ويرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه. (الغَيبة، للطوسي: ص٣٩١).
فيا لها من مهمة ووظيفة عظيمة أن
يكون وجود شخصٍ ما لأجل رفع وحشة إمام الزمان (عجّل الله تعالى فرجه
الشريف).
فلاحظ معي ما صفات هذا العبد الصالح
(عليه السلام)، الذي -في العادة- لا توجد له مساحة في تعاملاتنا
الإيمانية، رغم كونه يحظى بمقام سامٍ وشامخ وكبير عند الإمام (عجّل
الله تعالى فرجه الشريف)، بل وبقية الأئمة (عليهم السلام)؛ إذ قلّما
نجد من المؤمنين مَن يلتفت إلى أهمية الخضر (عليه السلام) في
المعادلة.
ولذا ينبغي أن نقول له: (السلام عليك يا مؤنس الإمام)، فإن الإمام الرضا (عليه السلام) أمرنا بالسلام عليه ووصفه بأنه مؤنس الإمام.
___________________________________
المصدر: نشرة الخميس (نشرة أسبوعية ثقافية تصدر عن قسم الشؤون
الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة)/ العدد
929.
الشيخ حميد عبد الجليل
الوائلي
ضرورة الرجوع لأهل البيت (عليهم السلام)