الكذب في روايات أهل البيت(عليهم السلام)
2023/06/25
675

لقد أبدع الله تعالى بحكمته فخلق الإنسان من نطفة أمشاج في أحسن تقويم ناطقاً سميعاً بصيراً مميزاً وعلمه ما لم يعلم إلى غير ذلك من النعم العظيمة (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) وهو بذلك لم يخلقه عبثاً ولم يتركه سدى وإنما خلقه لعبادته وأوجب عليه طاعته فلم يأمره إلا بما فيه نفعه ولم ينهه إلا عما فيه ضرره وهو تعالى كما أثنى على نفسه غني عن العالمين لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه وله الحجة البالغة حيث إلى سبل الخير وطرق الرشاد بما أودع فيه من العقل المدرك لقبح الظلم وحسن العدل وشكر النعم وأرسل إليهم رسل وأنزل إليه الكتاب غير أن الإنسان لخبث سريرته وسوء نيته يعصي خالقه جاحدا نعمته متكبرا عليه وظالما لنفسه إلا من إتقى وعصم أما فيما يخص الخالق عز وجل فهو عبارة عن مخالفة أحكامه بترك إمتثال أوامره ونواهيه حيث يجب على كل مكلف أن يسير في جميع عباداته ومعاملاته وسائر تصرفاته في حياته وفق الشرع الشريف فيأتي بجميع ما فرض عليه من العبادات ويجتنب عن جميع ما نهى عنه من أقوال وأفعال وخاصة ما يتعلق بحقوق الناس فلا يظلم أحدا ولا يغتصب ماله ولا يهتك عرضه مستمعتي كما جاء في الحديث : لا يحل مال إمرؤ مسلم إلا عن طيب نفس منه ولهذا يلزم على الإنسان حفظ جميع جوارحه من تعدي حدود الله والإعتداء بها على الناس كما ذكر في الآية الكريمة: ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام): "إن الله سبحانه فرض على جوارحك فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة"(1).

 إن اللسان هو أهم تلك الجوارح وأبرزها فلا يستصغر شأنه وإن كان صغيرا جرمه فما أكثر تلك المشاكل التي يسببها وما أكثر آفاته وما أعظم فلتاته قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ): "وإن أكثر خطايا إبن آدم في لسانه"، ومن بعض وصاياه (صلى الله عليه وآله وسلم ): "وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم"(2)، وما أكثر من يبتلى بها أما غفلة  منه عن تحريمه وعظيم عقوبتها أو لأغراض دنيئة ودواع خبيثة ولا سيما من يحضرون المجالس ويطلقون ألسنتهم حيث شاءت أهواؤهم بلا تقوى ولا حياء ولا تفكر ولا روية بالعواقب فيسخطون الله عليهم وهم لاهون كأن لم يصنعوا شيئا فكأنهم يحضرونها لمحادة الباري عزوجل ولإرتكاب المعاصي والذنوب ويعلمون أن الإنسان (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وإنه يسأل عن كل كلمة شر تصدر منه الأمر الذي يدل على ضعف إيمانهم وإنعدامه وأكثر من هذا.

إن شرذمة من الناس يمكن أن نسميهم سفهاء عوّدوا ألسنتهم قول الشر والبذاءة والسباب حتى عرفوا بذلك وإتقى عقلاء الناس ألسنتهم فهم حينذاك يحسبون أنها شجاعة لا يستطيع أحد الإقدام عليها سيدتي الفاضلة في الحقيقة إن ذلك ضعفا وجبنا وجهلا وحماقة فإن الشجاعة وكمال العقل إطاعة المولى عز وجل وضبط الأعصاب والتغلب عليها  بمراعاة الأصول وحفظ الحقوق وسنبين لك مستمعتنا الفاضلة أحد أفضح آفات ومزالق اللسان ألا وهو الكذب وهو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو عليه من غير فرق بين الجد والهزل وبين أمور الدين والدنيا من المؤسف جدا أن كثيرا من الناس قد إعتادوه وحسبوه هينا وهو عند الله عظيم هذا بالإضافة إلى أنه يعد من كبائر الذنوب فقد روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام ): "وأعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب"(3).

وبالإضافة إلى ذلك كله فإن الكذب يذهب بكرامة الإنسان وبهائه و يجعله ساقط الإعتبار بين الناس حتى إنه لا يصدق حين يصدق فإذا عرف الإنسان بالكذب لم يزل لدى الناس كذاباً وإن كان صادقاً.

كما إن الكذب مستمعتي يعد مرضا خطيرا يصيب المجتمع فيفسده لسلبه الثقة بين الأفراد ويسبب هدر الحقوق وهتك الحرمات وهو مفتاح كل شر ومصدر كل معصية وخبيثة ومن إستهان بالكذب إستهان بالجرائم الأخرى فهو يجرؤ على إرتكابها حين يرى الإنكار سبيلا للخلاص منها وقد أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله : إياكم والكذب فإن الكذي يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ويقول الإمام أبو جعفر (عليه السلام): "إن الله عز وجل جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب والكذب شر من الشراب"(4).

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "لا تنظروا إلى ركوع الرجل وسجوده فإن ذلك شيئا لو إعتاده لو تركه لإستوحش لذلك ولكن أنظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته"(5).

وقيل الصدق عمود الدين وركن الأدب وأصل المروءة فلا تتم هذه الثلاثة إلا به وعلى العكس من رذيلة الكذب فضيلة الصدق التي هي الأساس الوحيد لخير المجتمع وسعادته وراحته لذا نرى الإسلام يأمر به ويحبب إليه بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وكونوا مع الصادقين).

وأخيرا فما أسعد المسلمين وما أرغد عيشهم إذا إلتزموا بفضيلة الصدق وإجتنبوا رذيلة الكذب .


                 

 

      
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ميزان الحكمة: ج3/  2404

(2)  بحار الأنوار: ج68/  303

(3)  ميزان الحكمة: ج3/  2672

(4) وسائل الشيعة: ج12/ 244

(5) بحار الأنوار: ج68/ 8


 *المصدر: إذاعة الكفيل- برنامج آفات اللسان- الحلقة الأولى.

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا