تنبه لجود الله عليك
2022/11/22
625

إنّ التوفيق لنيل بركات وخيرات هذه الدنيا يتوقف على أن يتوسّل الإنسان ببعض الأسباب المؤدية إلى ذلك، وفي هذا الدعاء بيان لأهمّ هذه الأسباب وهي اليقظة من الوقوع في المعصية، والابتعاد عن السَفَهِ، وبالطبع سؤال الخير من الله سبحانه وتعالى..
علينا أن نعرف حقيقة عظيمة وهي أن الخير الذي ينزله الله تعالى علينا كبير وعظيم، فهو أجود الأجودين، وإن الله سبحانه وتعالى يفتح الأبواب لكي يربح الإنسان من خلالها فينزل النعم تترا، وهو القائل جل ذكره:- (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم : 43)، ولكن ذلك لا يعني أن كل واحد سيحصل حتماً على كل أنواع الخير بما يكفيه في مسيرته في الحياة وبما يحتاج إليه في الآخرة، بل سيحتاج إلى وعاء ليستقبل فيه الخير الذي ينزله الله بجوده..

أي إنك بحاجة إلى أمرين  الواحد منهما ضد الآخر  لكي لا تضيّع على نفسك فرصة الحصول على الخير، ولكي يكون نصيبك وافراً من كل خير في الثواب، في الرزق، في العمل في النجاح، أو أي شيء آخر حيث يحتاج الانسان إلى الذهن والتنبيه، فالذهن هو العقل والفطنة، فمن يعمل وفق إرشادات العقل سيصل إلى نتيجة مهمة وهي النباهة التي تعني أن تكون مستيقظاً وواقفاً على الشيء، وهذا يعني أنك لن تفوّت على نفسك فرص الخير فتصطادها وتنعم بها، لأن الأمور ستكون واضحة بالنسبة إليك فالشاب يستثمر شبابه في التعلّم وعمل الصالحات.. والعابد يتنبّه للعبادات المختلفة والمتنوعة فيؤديها.. والتاجر يقتنص الفرص المربحة لزيادة أرباحه.

اما الأمر الثاني: يحتاج الإنسان إلى تجنّب ما يضرّ بالنباهة، وهي السفاهة فالسفيه هو الجاهل الذي خفّ حلمه أو انعدم الحلم من نفسه والسفيه هو الشخص الذي لا يحسن التصرّف، وهو الذي يطلق عليه الناس عنوان الأحمق، يقع دائماً في الخسارة، فيبذل ماله في ما لا ينبغي، ويقابله الرشيد، وهو الذي يحسن التصرّف..
وقد جرت عادة الناس على اعتماد معيارٍ دنيويٍّ في مقايسة السفيه والرشيد، فمن يتمكّن من أن ينال الكثير من هذه الدنيا، فيكون ذا عقل في تحصيل الأموال وجمعها فهو الرشيد، ومن يخفق ولا يوفّق دائماً في ذلك فهو السفيه ولكن الأعظم من ذلك مستمعتي هو سفاهة الوقوع في المعصية، وسفاهة تقديم الدنيا على الآخرة، فإنّ أعظم سفيه هو ذلك الإنسان الذي يقدّم منفعةً عاجلةً في هذه الدنيا، ولكنّها مؤقّتة ومحدودةً، على مصلحة آجلة، ولكنّها دائمة لا تفنى ولا تزول.. 
والذي يفقد الحلم يتخبط في تعاملاته وتصرفاته، فيضيّع على نفسه ما يمكن أن يصيبه من خير يأتي من جهة حسن التصرّف، ونتيجة السفاهة هو التمويه وعدم الوضوح لذلك نقول في الدعاء: «وَباعِدْني فيهِ مِنَ السَّفاهَةِ وَالَّتمْويهِ» إذ أن حُسن التصرّف يمكن أن نعبر عنه بحُسن الإدارة التي تحافظ على الأشياء وتجلب الخيرات، ولذلك يسمي العلماء في الفقه الإسلامي من لا يتمكّن من التصرّف في أمواله بشكل صحيح سفيهاً، أي أنه يحصل على المال ولكنه يضيّعه ويبذّره فيما لا يحتاج، وقد جاء في إجابة الإمام الصادق (سلام الله عليه) عن سؤال:- مالسفيه؟
فقال (عليه السلام):- (الذي يشتري الدرهم بأضعافه).

فترى البعض يمتلك من الوقت الكثير، ولكنه يصاب بالسأم ويشعر بالفراغ القاتل، وترى البعض الآخر يمتلك العافية إلا أنه لا يستثمرها في العمل والإنجاز، وترى البعض يحصل على المال الكثير إلا أنه يبدّده فيما لا ينفع وفيما لا يحتاجه..
والحقيقة أن الله عز وجل يفيض بالخير على هذا الإنسان دائماً، ولكنَّ الإنسان يتصوّر أنّ الخير ينحصر بالرزق والأمور الماديّة، ويغفل أن الإنسان في كلّ حياته محاطة بخيرات الله عزَّ وجلَّ، والإنسان الذي يعيش في شهر رمضان القرب من الله سبحانه عليه أن لا يجعل همّه في الخير الماديّ، بل يسعى لينال الخير الباقي الذي لا يفنى، فليكن سؤالك أيّها الصائم الخير من الله بهذا المعنى، وقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام:- (أربعٌ من أُعطيهنّ فقد أُعطي خير الدنيا والآخرة.. صدقُ حديث، وأداءُ أمانة، وعفّةُ بطنٍ، وحُسنُ خُلُق)..
وعلى الإنسان أن يلتفت إلى أنّ أسباب الوصول إلى الخير بيده، فهو الذي يتمكّن من خلال عمله من الوصول إليها، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام:- (جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال:- علّمني عملاً يحبّني الله عليه، ويحبّني المخلوقون، ويثري الله مالي، ويصحّ بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك.
قال:- هذه ستّ خصال تحتاج إلى ستّ خصال إذا أردت أن يحبّك الله فخفه واتّقه، وإذا أردت أن يَحبّك المخلوقون فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم، وإذا أردت أن يُثري الله مالك فزكّه، وإذا أردت أن يصحَّ الله بدنك فأكثر من الصدقة، وإذا أردت أن يُطيلَ الله عمرك فصِل ذوي أرحامك، وإذا أردت أن يحشرك الله معي فأطل السجود بين يديّ الله الواحد القهّار).
.
لنجعل ساعاتنا في شهر الطاعة افضل الساعات وكما يريدها المولى تعالى وفقكم الله لكل خير. 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: إذاعة الكفيل - برنامج تجليات الروح الدورة الــ 69 - الحلقة الثانية.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا