الوازع الديني ودوره في حياة الشباب
2020/01/27
65

مَن ينظر إلى المسلمين من الشبان في هذا العصر اخواتي، يجد كثيرين منهم متهاونين لا يفكِّرون في الناحية الرُّوحية والدينية، لا يؤدون فرضًا، ولا يشعرون بما أوجبه الدين، ولا نبالغ إذا قلنا: إن بعضهم لا يعرفون كيف يتوضَّؤون أو يصلون، ولا سبب لهذا إلاَّ إهمال التربية الدينية في البيت والمدرسة.
ولكي يكون التعليم الديني مثمرًا يجب أن ننحوَ فيه الناحية العملية أكثر من الناحية الإخبارية، ونوجِّه الأطفال من الصِّغر إلى الحياة الدينية بالطريقة العمليَّة؛ طريقة القدوة والمحاكاة.

وقد أجمَع العلماء والفلاسفة على أنَّ الدين أقوى دعامة في النهوض بالأخلاق بين الأفراد والجماعات، وقد ثبَت في علم النفس أنَّ نزعة التديُّن نزعة فِطرية في الإنسان، والشعور الديني استعدادٌ فطري في طبيعته، وأنَّ الإنسان وحده هو الذي انفرَد بهذه النزعة الدينية دون غيره من المخلوقات، ولكنَّ هذا الميل الديني يحتاج إلى مَن يُنَمِّيه ويُربِّيه ويُقوِّيه من الطفولة في نفوس الناشئين.

يقول الرسول الكريم - صلى الله عليه واله وسلم -: ((كلُّ مولود يولَد على الفطرة، وإنما أبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يُمَجِّسانه))، ومعنى هذا مستمعاتي أنَّ الله خلَق الإنسان متديِّنًا بسليقته وفطرته، وأن كلَّ مولود يولَد قابلاً للخير والشر، قابلاً لأن يسير في طريق الفضيلة أو طريق الرذيلة، ولأبَوَيه تأثيرٌ كبير في عقيدته الدينيَّة، فيتديَّن بدينهما، وأنَّ أوَّل واجب على المدرسة أن تعمل على تقوية هذا الميل الديني في نفوس الأطفال، وتساعد في تربيتهم تربية دينية قويمة؛ كي ترسخَ العقيدة الدينية في نفوسهم، ويظهرَ أثرها في أخلاقهم وأعمالهم، وإنَّ الشباب حقًّا في كثير من الحاجة إلى تربية إسلامية رُوحية تَجتذب عقولهم، وتسمو بأرواحهم، وتُعينهم على ما يَعترضهم من المشكلات الخُلقيَّة والاجتماعيَّة، ولكي نربي الشباب تربية إسلامية حقَّة؛ يجب أن نراعي بعض الامور منها: 

أن يكون في الثقافة الدينية غذاءٌ رُوحي توضَّح فيه الأسباب، ويُدْعى الطالب إلى البحث والتفكير، وتُرضى غرائزه الاجتماعيَّة؛ حتى يعمل الشاب عن عقيدة، ويعمل بتفكير وأن توضَّح الشؤون الدينية توضيحًا شائقاً جذَّاباً، وفي الإسلام ثروة روحية عظيمة يجب أن ينتفع بها الطالب، فرُوح الإسلام، والأخلاق الإسلامية، ونظام الأسرة، وحقوق المرأة في الإسلام، والعلاقة بين الفرد والمجتمع، وحياة الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - وعَظَمته، وسِيَر الائمة "ع"، وأبطال الإسلام، وجهود المفسِّرين في تفسير القرآن الكريم، وشَرْح الأحاديث النبوية - كل هذه اخواتي ثروة رُوحيَّة إسلاميَّة، يستطيع الطالب أن يدرسَها دراسة مستفيضة؛ حتى يشعر برُوح الإسلام وعظمة الدين الإسلامي
 أيضاً يجب أن نشجِّع الفتيان والفتيات بكلِّ وسيلة من الوسائل على أداء الفرائض الدينية من صلاة وصوم وزكاة؛ باستثارة البواعث الدينية النفسيَّة، وترغيبهم وتشويقهم بغير إكراه، وتفهيمهم حِكمةَ فرائض الدين، واستمالتهم إلى أدائها برغبة قلبيَّة وعقيدة راسخة، كما يجب أن نُشجِّعهم على الاشتراك في الجماعات الدينية؛ لإرشادهم وتوسيع ثقافتهم الدينية.

ومجمل القول يجب أن يعلم كل مَن يتقدَّم لتربية الشباب، أن الدين الإسلامي دين روح وعاطفة، ودين منطق وتفكير سليم، واجتماع وحياة، فإذا أردنا أن يكون للدراسة الدينية أثر في النهوض بأخلاق الشباب؛ وجَب أن نبثَّ الدين في نفوس الشباب، وأن ندرسه لهم دراسة مستفيضة؛ حتى يرسخَ في قلوبهم، وأن نعلِّم الدين الإسلامي؛ لنبثَّ الرُّوح الديني، ونُرسله إلى قلوبهم مودَّةً ورحمة، وننشر التربية الدينية الحقَّة في جميع مراحل التعليم حتى الجامعة ويجب ان نعرف بان الدين يختلف عند الأطفال عن الدين لدى الشباب، وهناك فرْقٌ بين دين الطفولة ودين الشباب، كالفرق بين تفكير الطفل وتفكير الرجل، وتجارِب هذا وتجارب ذاك؛ لأن الأُفق العقلي للطفل محدود، وتجاربه في الحياة محدودة، ومعرفته للعالم قاصرة، وليس في استطاعته أن يُدرك حكمًا عقلياً عاماً، أو يكون مدركاً كلياً، ولا يكاد يتجاوز دائرة المُدركات الحسيَّة المحددة، فالطفل يستطيع أن يُدرك المحسَّات، ولا يستطيع أن يدرك المعاني المجردة إدراكاً واضحاً؛ فهي بالنسبة له تُعَد ألغازاً، فلا عجب إذا قلنا: إنه يصعب عليه أن يُدرك معنى الوجود أو العدم، والقدم أو الحدوث؛ لأن معانيَها فوق مستواه العقلي، وهو مع هذا يتحدَّث عن الله، ويخاف الله، ولا يجد صعوبة حين تقول له: إنَّ الله يَراك وأنت لا تراه، وإنه عالِم بكل ما تعمله.

 نعم، إنَّ الطفل يفكر في الله - سبحانه وتعالى - بالطريقة التي يفكِّر بها في أَبَويه، فهو يحب الله، ويُطيع الله، ويحاكي أبويه في الصلاة، ويؤدي ما أمره الله به حبًّا لرضاه، كما يفعل مع والديه وأساتذته، "فدين الطفولة دين فطري، محدود بعقليَّة الطفل وأفكاره المحدودة، وعَجْزه عن تقدير المشكلات التي يقدِّرها عقل الشباب".
 ولكي نُدرك الروح الإسلامية على حقيقتها، والعَظَمة الإسلاميَّة كما كانت وكما ينبغي أن تكون؛ يجب أن نُعْنَى بالتربية الإسلاميَّة العناية الواجبة؛ حيث لا نبعث أبناءنا إلى العالم ونُخرجهم إلى الحياة، وليس لَدَيهم إلاَّ فكرة محدودة ضيِّقة عن روح الإسلام، والمُثُل الخُلقية العالية في الإسلام، وبهذا نكون قد بينا مجموعة من الاسس والضوابط الصائبة التي تعادل كفتي الميزان لتكون راجحة كما ارادها الله تعالى منا وكل ذلك يتم بحسن التربية والتوجيه والتنشئة.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج الكفة الراجحة - الحلقة الثانية عشرة- الدورة البرامجية31

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا