تنمية الإبداع لدى الأطفال
2020-02-06 07:24:14
97
 يُنظر إلى الطفل في المجتمع السليم على أنه طاقة تنبض بالحيوية والنشاط والثقة، هو متعة الحاضر وطمأنينة النفس وأمل المستقبل الباسم، والطفل الذي يحصل على تربية متكاملة بالتأكيد تتظافر في شخصيته، الصحة الفسيولوجية، والنفسية، والذهنية والروحية؛ ولمّا كانت الأسرة والأبوان خاصة مدخل الإنسان إلى المجتمع، فإنهما يصوغان البنية الأساس لشخصية إنسان المستقبل، ولنمط علاقاته بالآخرين، فالأب المتسامح إلى حدٍّ مــا إذا كان تسامحه هذا يستند إلى وعْيٍ وفهم فإنه يعوّد طفله على الجرْأة والبحث والاستزادة من الخبرات والمعارف، وينمّي لديه الاعتماد على الذات، وشخصية الأم الواعية،الأم المتعلّمة، الأم المثقفة الخبيرة بشؤون الحياة تغرس في طفلها حب الله وحب الناس وحب الحياة والتوغل في مسالكها.. مما ينمي لديه حب البحث ويشبع لديه الفضول، فتنشط عنده روح المبادرة والتطلّع إلى إثبات الذات من خلال الإبداع.

واقعنا الآن يكذب ادعاءاتنا التي نرفعها ونحاول أن نقنع بها أنفسنا، بأن أبناءنا حالهم أحسن من حالنا عندما كنّا في أعمارهم، نعم الظروف المعيشية تحسّنت ومستلزمات الحياة العصرية توفّرت، فالوعي الفردي والاجتماعي ارتفع ..المستوى الفكري للفرد تحسّن بفضل التعليم وتيسّر طرق كسْب المعرفة وتنوّعها، لكن بكل أسف أغلبنا يتعامل مع أبنائه وأفراد أسرته معاملة جدّه لجدّته وأبيه لأمه، روح السيطرة والقهر سائدتان في أغلب بيوتاتنا، كل تحركات أبنائنا هي فوضى لا نطيقها، كلّ سعي نحو التفتح واكتشاف المحيط مضيعة للوقت، كلّ طفرة في وضْعٍ كهذا قد تبرز لدى أحد الأطفال تُخنق في المهد لا نلتفت إليها ، بل نحتقرها ونعيّر صاحبها لكونه يتلهّى بما لا فائدة فيه، يحدث هذا في أسرنا وفي مؤسساتنا التعليمية، أطفالنا اغلبهم في نظر الأساتذة والمعلمين متمردون، عصاة، فوضويون، يكرهون المعرفة هم في حاجة إلى الترويض عن طريق العقاب البدني ، أكثر مما هم بحاجة إلى التهذيب والتعلم والتعليم والتثقّف والتثقيف، ففي أولى حلقات البرنامج نبحر وإياك للولوج في موضوع  الإبداع وأول ما سنتعرف عليه هو ما معنى الإبداع ؟ نعم: لا شكّ أن الإبداع عملية معقّدة يصعب تعريفها ومادة الإبداع مستمدّة من العالم الخارجي ومن الذكريات ولكن ليس الإبداع مجــرّد محاكاة لشيء موجود وإعادة بنائه، وإن تكن المحاكاة لا تخلو أبداً من عنصر الإبداع ، بل هو الكشف عن علاقات ومتعلّقات ووظائف جديدة ؛ ومنبع الإبدعات كلها الطبيعة، غير أن المبدع لا يكتفي بمحاكاة الطبيعة في شكل من أشكالها؛ بل يخلق شكلا جديدا ، وذلك بمحاكاة أشكال مختلفة وبالتأليف بينها ، أي بين أهمّ نواحي هذه الأشكال، ولا بدّ أن تكون النواحي المستعارة من الأشكال القديمة قد اكتسبت دلالة جديدة في ذهن المبدع.

  إذن عزيزتي إن الإبداع لا يأتي من فراغ؛ فهو مرتبط أيما ارتباط بالبيئة بما تتضمنه من ظروف ومواقف تيسّر الإبداع، أو تحُول دون إطلاق طاقات المتعلّم الإبداعية وتقسم هذه الظروف على قسميْن هما: 

أ ـ ظروف عامة: ترتبط بالمجتمع وثقافته، فالإبداع ينمو ويترعرع في المجتمعات التي تتميّز بأنها تُهيّئ الفرص لأبنائها للتجريب دون خوف أو تردّد ، وتُقدّم نماذج مبدعة من أبنائها من الأجيال السابقة ليخطو الجيلُ الحالي خطاها ، وبالتالي تشجع على إبداء الآراء ونقْد الأفكار في شتى مناحي الحياة.

ب ـ ظروف خاصة: وترتبط بالإطار البشري التربوي من معلمين وأساتذة وإداريين وعمال ومشرفين تربويين وهم أصناف في أدوارهم ووظائفهم في تهيئة الظروف والبيئة الصفّية والمدرسية لتنمية الإبداع لدى التلاميذ والطلاّب.

والآن أختي الكريمة بعد ماتعرفنا على الابداع وظروفه سنبحر وإياك  للتعرف على هل للإبـداع بداية؟

 إن الابداع له بداية فعملية الإبداع تبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة، أي في المنزل من خلال الرعاية الأولية للطفل تحت أنظار والديه بإحاطته بمثيرات تعمل على تنمية إدراكه الحسّي والعقلي بتوظيف ما في البيئة المحيطة به طبيعياً واجتماعياً وما تزخر به من وسائل وإمكانات خام وغير خام، وبعض الألعاب الإدراكية، والتفاعل مع الآخرين.

إن الطفل في الأسرة يُــدرّبُ على تنظيم بعض الوظائف الحيوية في جوٍّ انفعالي حميمي فيه حب وتقبّل مما يزرع الثقة في نفسه ويدفعه أكثر إلى الاكتشاف وإشباع فضوله.

إن الأسرة لها دور كبير وفعال في تشكيل عادات ومهارات تدفع إلى التفتّح والانفتاح ..لنربطْ مستمعاتي هذا القول بواقع أطفالنا في أسرنا وفي مؤسساتنا التربوية والتكوينية عامة وليس المدرسة فحسب، إنه واقعٌ مــر، نريد من أبنائنا أن يكونوا موهوبين، متفوّقين، حاصلين على أعلى الدرجات، لا شغفاً بالعلم ولا حبّا بالمعرفة ولكن من أجل التفاخر بهم أمام المعارف والجيران وزوّارنا، دون أن نساهم كأولياء في توفير الشروط المعنوية والمادية لهم لكي ينمو على الأقل نمواً طبيعياً وعادياً.
غلب الأسر لا تعرف عن كُنه الطفولة شيئاً وتجهل مراحلها وخصائص هذه المرحلة عن تلك، كما تجهل حاجيات الطفل ونوعيتها في كل مرحلة، وتنتظر هذه الأكثرية بفارغ الصبر موعد تدريس طفلها حتى تتخلص من صخبه وحركاته التي لا تتوقّف، كي تتولاّه مؤسسة أخرى ليُحشر مع غيره في غرفة تضم ما بين الأربعين أو الخمسين طفلاً.

وقد أثبتت الدراسات العلمية والخبرات المكتسبة والمعايشات الميدانية في العديد من المجتمعات، وما لمسناه في العديد من المؤسسات التعليمية ولدى العديد من العائلات أن الوالديْن والمعلمات والمعلمين الذين يؤمنون بإبداعية أطفالهم يصبح أبناؤهم أكثر نشاطاً ويقظة وطموحاً ومغامرة، وأعْلى قدرة على الإبداع ؛ فالأطفال يؤدون أدواراً إبداعية رائعة نندهش لها إذا ما هيّأنا لهم تفاعلاً نشطاً ومتجدداً أثناء اكتسابهم المعارف والخبرات والأنشطة من مصادر المحيط القريب والبعيد .ويتوقّف هذا الدور الإبداعي على كيفية تدريبهم والشروط والإمكانات المسخّرة لاكتساب المعرفة وتنظيمها، وطرق تفاعلهم مع المثيرات المختلفة التي يتفاعلون معها.

أختي الكريمة ومن الفوائد التي يمكن الاستفادة منها في تنمية  الإبداع لدى الطفل هي  ان الإبداع والتخيل يساعدان على تنمية العلاقة بين الآباء والأبناء حيث يتركان مجالاً للأطفال ليعبروا عن المشاكل التي تواجههم في المدرسة أو مع الأصحاب أو غيرهم، ويسمح الإبداع والتخيل أيضاً بطريقة للتعبير عن الخوف وعدم الثقة بالنفس ومشاعر أخرى، وأهم شيء هو أن الإبداع يقوم بملء أوقات فراغ كثيرة مما يحارب الملل.

إذن، أختي الكريمة دورك كأم ومسؤولة عن تربية ابنك أن تجدي طرقاً مختلفة تنمين بها خيال طفلك  وقدراته الإبداعية؛ لذلك يجب عليك أن:

- تتقبلي الإجابات الخاطئة، فالمهارات الإبداعية تنمو عن طريق الغموض والأشياء المجردة والتعلم من الأخطاء وإمكانية اللعب والتجربة.

- تشجعي إبنك على الخيال ولا تؤنبيه عندما يرسم أشياء مثل أجنحة للقطة أو يكتب إسمه خطأ.

- لا تقلقي، سيراجع نفسه بعد قليل، وإقبلي منه مستوى أدنى، فغرفة اللعب شديدة النظافة والنظام تقوم بكبت الطاقة الإبداعية للأطفال لأنهم لا يشعرون أن بإمكانهم التجربة أو التفنن، هذا ليس معناه ألا يتعلموا أن ينظفوا حجرتهم ويقوموا بالترتيب فور الانتهاء من اللعب. كذلك، إذا كنت دائماً تحاولين إسكات الطفل واسع الخيال لأنك تفضلين الهدوء، إذ ستكبت مشاعره ويتحول إلى طفل هادئ وخجول، إثني على التجربة وليس على النتيجة.

 - عندما تقومين بالثناء على أول صورة يرسمها طفلك فأنت تشجعينه على الاستمرار بالإبداع وتعلم الرسم، مهما كانت النتيجة.. إذاً  ينبغي أن يستمتع الأطفال بالتجربة وليس بالنهاية فقط.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج روافد الإبداع - الحلقة الأولى - الدورة البرامجية41.
تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا