تربية الأبناء
2020/02/14
451

من المشاكل الكبيرة التي تحصل في عملية التربية مشكلة عدم تمييز الهدف الصحيح من وراء التربية، فإن غالبية الأهل تراهم يسعون من خلال عملية التربية إلى أن يكون ولدهم من البارزين في المجتمع في كثير من المسؤوليات لا يدخل في ضمنها أن يكون ابنهم متديناً مؤمناً أوعبداً صالحاً فإذا سئلوا ماذا تُريدون لابنكم مستقبلاً؟

يجيبون أنهم يرغبون في أن يكون ابنهم طبيباً أو مهندساً أو دكتوراً في الجامعة، ولا يلتفتون أو يهتمون أن يكون ابنهم متدين، وإذا عرض البعض لذلك تراه يعرض له على أساس أنه هدف ثانوي ولا هدف أساسي؛ فالسعي لأن يكون ابنهم طبيباً مثلاً هو الأساس وهو الذي يدفعهم إلى إرسال ابنهم إلى المدارس التي قد لا تكون من المدارس التي تربِّي على غير ديننا، بعد مدة من الدراسة يبدأ الولد بالإنحراف عن الدين والتطبُّع بطباع رفاقه؛ ويشكل ذلك خطراً على عقيدته فصحيح أنه ربح مستوى علمياً كبيراً ولكنه خسر دينه، وسبب ذلك يعود أساساً إلى أن هدف الأهل كان الحصول على العلم من دون التفات إلى الدين، أو أن يكون الدين أمراً ثانوياً بالنسبة لأهلهم.

نحن لا ندعو هنا إلى أن نترك العلم أو أن لا يكون من ضمن أهدافنا، أن ندعو لأن يكون أولادنا من أفضل الناس في المجتمع، وأن يصبحوا من العناصر المفيدة لمجتمعهم من خلال علمهم، بل إننا ندعو إلى التعلم والتفوّق في ذلك، غير أن ما ندعو إليه هنا أن لا يكون التفوّق العلمي هو الهدف الأول والأخير، بحيث أنه في حال التعارض بينه وبين الدين تكون الأولوية للعلم حتى لو أدى إلى خسارة الدين، بل إننا نقول: إن مستوى مقبولاً من العلم مع المحافظة على الدين أفضل بكثير من مستوى عالٍ من العلم من دون تديُّن، لذلك نقول: إننا نرغب في أن يكون هدف كل أم أن يكون أولادها عباداً صالحين، ثم بعد ذلك إن وُفِّقوا لأن يكونوا علماء متفوقين فهذا أمر ممتاز.

وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: ((الولد الصالح ريحان من رياحين الجنة))، فالسعي إلى ولد صالح كي يكون ريحانة من رياحين الجنة يعد هدفاً مهماً لا يجوز تجاوزه أو التغاضي عنه.

عزيزتي القارئة، يظن الأهالي أن الأولاد لا يأبهون أن تحاسبهم وتؤدبهم أمام الآخرين، أو تمارس عقاباً يؤدي إلى إمتهان كرامتهم على أساس أنهم صغار السن، ولا يحسبون حساباً لكرامة ولا يقيمون وزناً لنظرة الآخرين إليهم إذا ماطو لبوا بخطيء ارتكبوه أمامهم، وهذا خطأ في الأسلوب على الأهل التنبّه إليه، فالولد مهما صغر سنه يحس بكرامة وينزعج من إمتهان هذه الكرامة أمام الآخرين، لذا يجب على الأهل إذا ما أرادوا أن يحاسبوا أولادهم على أخطاء ارتكبوها، أن ينتبهوا أولاً إلى أن لا يكون ذلك أمام الآخرين خاصة من كانوا بمثل سنهم، وبشكل خاص إذا كان هؤلاء من أقرانه وأصدقائه المقربين إليه، وثانياً أن لا نستعمل في تأديبنا لهم عبارات مُهينة ومؤذية فإنّ ذلك سينعكس سلباً على هذا الولد مما يجعله بدلاً من أن يترك هذا الفعل الذي عوقب عليه، تراه نتيجة للإهانة التي تعرض لها يقوم بالإصرار عليه إما نكاية بأهله، أو لأنهم لم يُفهِّمونه الخطأ الذي ارتكبه بل قاموا بإهانته وامتهان كرامته بشكل مقصود أمام الآخرين.

كذلك يجب على الأهل أن يعرفوا أن المطلوب من عملية التربية هو الإصلاح والتوجيه نحو التصرف الأسلم، وبالتالي فإذا ما أخطأ الأولاد أو فشلوا في بعض مجالات الحياة، فعلى الأهل مساعدتهم لتجاوزها ودفعهم للإنطلاق من جديد.

وهنا نلفت الأهل الذين يُبتلون بأولاد لا يملكون قدرات عملية بارزة، فعلاماتهم في المدرسة مثلاً قد تكون غير متوفقة، ففي هذه الحالة لا يجوز لهم إهانتهم وتقريعهم على التفوّق بل تشجيعهم على بذل جهد أكبر في المرة المقبلة؛ كي يأخذوا علامة أفضل، فقولك أيتها الأم لابنك الذي حصل على علامة متوسطة في أحد الإمتحانات: "هذه علامة راسبة وغير مقبولة"، مع إضافة تقريع للطفل سيكون له أثر سلبي على هذا الولد، في حين أن قولك له: "أنت ذكي ويمكن أن تعطي أفضل في المرة القادمة"، سيشكل هذا الكلام تشجيعاً له في المستقبل على بذل جهد أكبر ويجعله يحس بالأمل الناتج عن هذا التشجيع، والذي يدفعه لبذل جهد أكبر ليؤكد صحة ما قالته الأم، أو على الأقل ليكون عند ظن والدته، وفي مطلق الأحوال فإن هذا الأسلوب أفضل بكثير من أسلوب التقريع على عدم الإنجاز، والتفكير بأسباب الخطأ والفشل هو أفضل بكثير من التقريع، فكما قال أحد الحكماء: ((أن تشعل شمعة أفضل بمليون مرة من أن تعلن الظلام)).

كما أن متابعة الأولاد على أخطائهم والسعي لإيجاد أساليب ولمحاسبتهم عليه مطلوب، فكذلك يجب أن يكون للثواب دخل في عملية التربية؛ فإذا ما كان ابننا يتحلى بالإيمان ويتصرف تصرفات أخلاقية لابد من إعطائه جائزة على ما فعله؛ تشجيعاً على الإستمرار بهذا النهج، فلو قام ابنك بإحياء ليلة القدر مثلاً، فإن إعطاءه هدية على ذلك يشجعه على السلوك أكثر بهذا الخط والتمسك بهذه الأفعال الحسنة، وإذا ما أحرز ابنك علامة جيدة في الإمتحان وقمت بمنحه جائزة على ذلك، فإنه سيتشجع على الإجتهاد أكثر للمحافظة على تفوُّقه أو التقدم أكثر طمعاً برضاك وسرورك منه أولاً وإنتظاراً لجائزتك ثانياً.

المشكلة إن بعض الأهل يعتبرون أن هذا الأمر أحد واجبات الأبناء ولا يلزمهم ذلك بأي جائزة أو هدية، وإن بعضهم لا يكترث لهذه الأمور من أبنائهم، وهذان التصرفان يشكلان عاملاً مثبطاً عند الولد، يجعلانه لا يكترث بالإجتهاد للتوصل، إلا أنه لا مانع من تشجيعه ليستمر على هذا الخط الجيد الذي ينتجه.

وفي الوقت نفسه الذي يجب أن نثيب ابننا الناجح أو المتفوق أو الذي يتحلى بأخلاق حميدة؛ ويجب مراعاة ألا يدخل ذلك أبناءنا الآخرين بحالة من الغيرة من أخيهم، وألا نستثير فيهم الحسد ما يوقع الحقد في قلوبهم على إخوانهم، وهذا ما يفترض علينا إختيار كلماتنا وعباراتنا عندما نقدم هذه الهدية لابننا الناجح.

بالإضافة إلى تشجيع الطفل وإستعمال مبدأ الثواب والعقاب معه، فقطع الوعد شيء مهم، ومن الأخطاء الشائعة عند الأهل الوعود الكثيرة التي يطلقونها لأولادهم فيما لو نجحوا مثلاً، أو فيما لو أحسنوا التصرف ثم بعد ذلك يُخلفون الوعد، والحقيقة إن هذا الموضوع خطير جداً حتى لو كان الأمر ناتجاً من عدم قدرة الأهل على الوفاء؛ أي أنهم لا يريدون الإخلاف عمداً، الإخلاف بالوعد سيؤدي لتعليم الأولاد الكذب على أساس أن صدوره من أهلهم يشكل مبرراً موضوعياً لهم لقيامهم بذلك، وحرصاً منّا على تعليم أولادنا الأخلاق الحميدة، علينا أن نعلمهم الحرص على الإلتزام بوعودهم من خلال التزامنا نحن بوعودنا.
هناك موضوع مهم وخطير يؤثر تأثيراً كبيراً على تربية الأولاد وهو النزاع بين الزوجين وأثره على تربية الأولاد، ففي كثير من الأحيان تكون التربية الممارسة من قِبل الأهل جيدة ولا إشكال عليها في حد ذاتها كعملية تربية بحته، ولكن الذي يحصل أنهم يضيِّعون هذا النجاح من خلال إختلافات تقع بينهم يكون لها أثر سلبي على الأولاد، وتعطل كل النتائج الإيجابية التي حصلت عليها من خلال التربية السليمة لولا هذا الخطأ، هذه الأخطاء هي: 

أ- خلافهما فيما بينهم: في هذه الحالة يكون الخلاف بين الزوجين لأمور لها علاقة بمشاكل زوجية خاصة بهما، ولكن هذا الأمر لا يكون سرياً بينهما، بل يقومان بالإختلاف أمام أولادهم مما ينعكس سلباً على الأولاد لعدة جهات منها لاهتزاز صورتهما أمام الأولاد؛ فلا يعودوا للإستماع إليهما؛ لأنهما لا يستطيعان حل خلافاتهما فكيف يُحلان مشكلة غيرهما، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الأولاد إما أن يسقط إحترام أحدهما في أعينهما أو أن يسقط احترامهما معاً، ومن المعلوم أنه لا تأثير على الولد ممّن لا يحترمه وهذا ما يؤدي إلى فشل عملية التربية.

ب-خلافهما على تربية ولدهما: في هذا الحالة يكون الخلاف على أمر خارجي متعلق بتربية الولد نفسه، فأحدهما يريد الأمر الفلاني والآخر يريد أمراً غيره، في هذا الحالة يحاول كثير من الأولاد اللعب على وتر هذا الخلاف؛ كي يستطيع أن يفعل في النهاية ما هو أكثر راحة له، فيقوم بعضهم بأعمال يصوِّر نفسه فيها لكل من أبيه وأمه أنه معه، وهو في الحقيقة ليس مع أحد بل يلعب على الموضوع لمصلحة شخصية؛ فيجب على الأهل الإتفاق فيما بينهما على الأسلوب الأفضل، وعدم إظهار الإختلاف أمام الأولاد كي لا يستغلونه سلباً.

في المحصلة فإن السعي لانسجام كامل بين ركني العملية التربوية في البيت وهما الأب والأم هو الطريق الأسلم لعملية تربوية سليمة.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مساكن طيبة - الحلقة الحادية عشرة- الدورة البرامجية32.

 

 

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا