سوء الظن وعواقبه
2020/01/25
474

إن سوء الظن يعني أننا نقوم بتحليل الأحداث وتحليل أعمال الآخرين وأقوالهم وتفسيرها من خلال تصورنا الخاطئ وظننا السيئ بهم، ودون معرفة صحيحة بخلفيات تلك الأحداث والتصرفات والأقوال، وبدون أي دليل وإثبات واضح وصريح، وبالتالي نعتبر تحليلنا وتفسيرنا هذا مؤكداً أو محققاً، وسوء الظن هذا يكون ذنباً من الذنوب عندما يكشف الفرد عن سوء ظنه، ويؤذي الطرف الآخر ويسبب له الإزعاج والإمتعاض، يقول تبارك وتعالى في القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.

إن سوء الظن ينشأ في الغالب من الباطن السيئ والنفس المريضة، والشخص السيئ لا يحسن الظن بأحد؛ لأن مرآة باطنه سيئة، ولذلك فهو لا يستطيع بواسطة هذه المرآة المهشمة أن يرى وجوه الآخرين نظيفة وبشكلها الحقيقي الصحيح، حيث يقول الإمام علي (عليه السلام): (الشرير لا يظن بأحد خيراً لأنه لا يراه إلا بطبع نفسه)، والأسوأ من ذلك كله هو أن تسيئ الزوجة الظن بزوجها، فهي في هذه الحالة تدمر الحياة الزوجية.

فالزواج في الحقيقة نوع من الإتصال والإتحاد بين عالمين مختلفين وحياتين لهما خصائص مختلفة، والزواج لا يعني إلغاء خصائص الزوجين، بل يعني التمتع بالحياة سوية والشعور بالإستقرار والطمأنينة في ظلال من الحياة المشتركة، ولذا فإن مثل هكذا حياة ينبغي أن تنهض على أساس من الحب المتبادل والصفاء والتفاؤل، وإلا فلا يمكن لها الإستمرار بسلام.

من المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة سوء الظن الذي يهدد السلام العائلي بالخطر؛ ذلك أنه ينسف في بدايته عرى التفاهم، وبالتالي يفجر الصراع؛ إذ ينجم عن سوء الظن بروز حالة النزاع الزوجي في الأسرة من خلال بعض العلل والأسباب؛ فمرة يظهر سوء الظن في الجانب الإقتصادي، حيث يشعر أحد الطرفين بأن الآخر يخفي هذا الجانب دونه، فقد تظن المرأة مثلاً أن زوجها يتقاضى راتباً أكثر بكثير مما يعلن عنه، وأنه ربما يدخره أو يصرفه في موارد لا علم لها بها.. في حين ليس هناك شك سوى الشك فقط الذي ينجم عادة عن سوء الظن، ومرة يبرز سوء الظن عن الإحساس بالتآمر، حيث يشكك أحد الطرفين ويظن أن الآخر يتآمر عليه، وأنه قد يستهدفه للقضاء عليه، وعندما نتعمق في داخلها لا نجد سوى الودّ الذي يضيع خلف ركام من عدم التفاهم وعدم إبراز العواطف المتبادلة والودّ المشترك.

عزيزتي القارئة، إن سوء الظن ينسف أول ما ينسف أساس الإتحاد بين الزوجين، ويفقدهما القابلية على الإستمرار، إذ يتجلى ذلك من خلال الأحاديث الخاملة، ورؤية الحياة من خلال منظار مظلم وأنها مليئة بالآلآم التي لا يمكن علاجها.

ومن الأخطار الأخرى التي قد تنجم عن سوء الظن زوال الإحساس بالعزة والكرامة؛ مما يجعل حياة الزوجين في معرض خطر داهم، إذ أن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين حماية الطرف الآخر، وحالة سوء الظن تعني زوال هذا الجانب.

أيتها القارئة، عليك أن تتعرفي على أسباب سوء الظن ومناشئ حالاته، وأحياناً تظهر مثل هذه الحالة وهذه التصرفات عند المرأة نتيجة مجالسة النساء اللواتي يتحدثن هن هذا وذاك، وينسبن للآخرين مختلف التهم والإفتراءات ما يترك القلق والإضطرابات في قلب الزوجة الشابة المسكينة، حيث تعشعش الوساوس والأوهام في كيانها وأفكارها، وكان هناك في أعماقها من يحذرها ويقول لها: إياك أن تغفلي عن زوجك لحظة واحدة فهو عديم الوفاء، وفي هذه الحالة فإن على هذه الزوجة أن لا تلتقي بهؤلاء النسوة؛ لأن الإمام علي (عليه السلام) يقول: ((مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار))، إلى جانب ذلك فإن على الزوجة أن تملأ أوقات فراغها بالأعمال المفيدة النافعة التي تبعث الأمل في نفسها وتقوي ثقتها بذاتها، كما أن عليها مصادقة الصالحات والطيبات والمؤمنات من النساء ومعاشرتهن.

واعلمي أيضاً أن الظن السيئ خاصة في موضوع العلاقات الزوجية غالباً ما يكون ناتجاً عن مرض نفسي أو مرض عقلي، أو قد يؤدي إلى ذلك، وقد ورد عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ((ظن الرجل على قدر عقله)). إذن أكثر الحالات التي تقع فيها مشاكل بين الأزواج سواء من جهة الزوجة أو حتى من جهة الزوج تكون ناتجة أو ناشئة من سوء الظن.

أيتها القارئة، قد يتحول الفرد أحياناً بسبب خطأ أو إنحراف أو حتى مجرد الإحساس بذلك إلى إنسان يسيء الظن خاصة عندما يجد تأييداً لدى الآخرين، في حين أن الحياة الزوجية تتطلب من الإنسان أن يعتبر نفسه ناقصاً وبحاجة إلى التكامل، وهذا التصور يجنب الإنسان الخطأ الناجم عن الشعور بصحة تصرفاته؛ لأنه إذا ما شعر الإنسان بأنه غير كامل وأنه يعاني من نقص مستمر، توقع إحتمال الخطأ من نفسه، وبالتالي يصون هذا الشعور الإنسان من العناد واللجاجة في الرأي، ويدفعه إلى نشدان الحق والبحث عن الحقيقة.

إن من ضرورات الحياة المشتركة أن يتمتع الزوجان بحسن النية دائماً في مشاعرهما وممارساتهما، فإذا كان هناك خلل ما في توفر بعض مستلزمات الحياة في المنزل، يجب ألاّ يُفسَّر هذا على أنه نوع من إلحاق الأذى، وإذا حدث وضحك أحدهما في غير مناسبة فعلى الآخر ألاّ يتصور أنها موجهة ضده.
إن الحياة الزوجية خاصة لدى الشباب تحتاج إلى حسن في النوايا، وتعاضد في الأعمال، وإلاّ فإن روحيهما "أي الزوجين" ستكون نهباً للقلق، وحياتهما عرضة للتزلزل. ففي الحياة المشتركة ينبغي أن تكون حصة العقل أوفر حظاً من حصة القلب، حيث يمكن ومن خلال مناقشة بعض الحقائق معاً وتلافي إحتمالات الإخلال بالصفاء الزوجي، ويتطلب هذا الأمر إصغاء الطرفين لبعضهما مع الأخذ بنظر الإعتبار بعض الضوابط الفكرية، وإلا فإنهما سيضطران إلى إعتماد أساليب بعيدة عن المنطق في حديث لا يمت إلى أرض الواقع بصلة أو جذر، مما يؤدي إلى توتر العلاقات في الحياة الزوجية.

عزيزتي الزوجة، إن الحياة الزوجية هي شكل من أشكال الحرية المقيّدة والمشروطة، يتقبلها الزوجان كأساس للحياة المشتركة، وهي علاوة على كونها شرطاً في الحياة الزوجية فإنها تعمل على تهذيب الإنسان وتشذيب أخلاقه في المعاشرة والصحبة من خلال بعض الضوابط والقواعد التي تصب في النهاية في مصلحة الزوجين بما يعزز من أمن الأسرة واستقرارها.

وخلاصة القول: على الناس جميعاً أن ينتبهوا بموضوع سوء الظن وألاّ يقعوا فيه؛ لأن بعضه إثم وإن كان لا مانع من أن يتحسبوا فيما لو ظنوا بسوء بأحد الأشخاص، ولكن لا أن يحققوا هذا الظن السيئ مصداقاً لما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((احترسوا من الناس بسوء الظن)).
فلم يقل الرسول أن نتصرف على أساس سوء الظن، وإنما طلب منا الإحتراس والإحتراز، وهذا يؤدي إلى مجتمع سليم؛ لأن حسن الظن بالناس يورث المحبة بينهم، كلما كان الإنسان يحسن الظن بالآخرين كلما كانت علاقته جيدة معهم، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (من حَسُن ظنه بالناس حاز منهم المحبة).

من الأولى أن يكون حسن الظن موجوداً في العلاقات الزوجية؛ لأننا من خلال حسن الظن بالآخر نصل إلى الألفة والمحبة، لكن لا على أساس السذاجة والبساطة، بل على أساس حسن الظن إلى أن يتحقق من الموضوع الذي يشك فيه ساعتئذٍ فلا حول ولا قوة إلا بالله، وعلينا الإنتباه إلى أن سوء الظن يفسد الحياة الزوجية بأي نوع دخل فيها، ويؤدي بصاحبه إلى جهنم إن كان ظالماً.







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مساكن طيبة- الحلقة الثانية - الدورة البرامجية 32.

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا