العصبية وحقيقتها
2020/01/27
477

العصبية هي مناصرة المرء قومه، أو أسرته، أو وطنه، فيما يخالف الشرع، وينافي الحق والعدل، وهي من أخطر النزعات وأفتكها في تسيّب المسلمين، وتفريق شملهم، وإضعاف طاقاتهم الروحية والمادّية، وقد حاربها الإسلام، وحذّر المسلمين من شرورها.

فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من كان في قلبه حبّة من خردل من عصبية ، بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من تعصّب عصّبه الله بعصابة من نار)، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنّ الله تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها، ألا إنّ الناس من آدم ، وآدم من تراب ، وأكرمهم عند الله أتقاهم).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): ( جلس جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينتسبون ويفتخرون ، وفيهم سلمان، فقال عمر: ما نسبك أنت يا سلمان وما أصلك ؟ فقال : أنا سلمان بن عبد الله ، كنت ضالاً فهداني الله بمحّمد، وكنت عائلاً فأغناني الله بمحّمد ، وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحّمدٍ ، فهذا حسبي ونسبي يا عمر.

ثمّ خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فذكر له سلمان ما قال عمر وما أجابه ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا معشر قريش إن حَسب المرء دينه ، ومروءته خُلقه ، وأصله عقله ، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ )، ثم أقبل على سلمان فقال له: إنه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلاّ بتقوى الله عز وجل ، فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه).

وعن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) قال: (وقع بين سلمان الفارسي( رضي الله عنه) ، وبين رجل كلام وخصومة، فقال له الرجل: من أنت يا سلمان ؟ فقال سلمان : أمّا أوّلي وأوّلك فنطفة قذرة، وأمّا آخري وآخرك فجيفة منتنة ، فإذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ، ومن خفّ ميزانه فهو اللئيم).

وأصدق شاهد على واقعية الإسلام واستنكاره النعرات العصبية المفرّقة وجعله الإيمان والتقى مقياساً للتفاضل ، أنّ أبا لهب صرّح القرآن بثلبه وعذابه (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) المسد: وذلك بكفره ومحاربته لله ورسوله.

وكان سلمان فارسياً بعيداً عن الأحساب العربية ، وقد منحه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وساماً خالداً في الشرف والعزة، فقال: (سلمان منّا أهل البيت)، وما ذلك إلاّ لسموّ إيمانه، وعِظم إخلاصه، وتفانيه في الله ورسوله.

حقيقة العصبية 

 لا ريب أن العصبية الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي: التناصر على الباطل ، والتعاون على الظلم ، والتفاخر بالقيم الجاهلية ، أما التعصب للحق، والدفاع عنه ، والتناصر على تحقيق المصالح الإسلامية العامة، كالدفاع عن الدين، وحماية الوطن الإسلامي الكبير، وصيانة كرامات المسلمين وأنفسهم وأموالهم ، فهو التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود، وتحقيق العِزة والمنعة للمسلمين.

وقد قال الإمام زين العابدين(عليه السلام): (إنّ العصبية التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكِن من العصبية أن يعين قومه على الظلم).

من استقرأ التاريخ الإسلامي، وتتبع العلل والأسباب في هبوط المسلمين، عَلِم أنّ النزعات العصبية هي المعول الهدّام، والسبب الأوّل في تناكر المسلمين، وتمزيق شملهم ، وتفتيت طاقاتهم، ممّا أدّى بهم إلى هذا المصير القاتم، فقد ذلّ المسلمون وهانوا حينما تفشّت فيهم النعرات المفرّقة، فانفصمت بينهم عرى التحابب، ووهت فيهم أواصر الإخاء، فأصبحوا مثالاً للتخلّف والتبعثر والهوان، بعد أن كانوا رمزاً للتفوّق والتماسك والفخار ، كأنّهم لم يسمعوا كلام الله تعالى حيث قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا).









ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: نشرة الكفيل(نشرة أسبوعية ثقافية تصدرها وحدة النشرات في العتبة العباسية المقدسة) / العدد 33- أبو علي/ بغداد.


تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا