هل للعقل السليم دور في تكوين الشخصية؟
2019/11/04
729

أختي الفاضلة أود أن أسأل هل أن للعقل السليم دوراً في تكوين الشخصية الناجحة؟ وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن للعقل السليم أهمية كبرى في كيان الإنسان وتقويم شخصيته، وتوجيه سلوكه وتحديد مصيره وبه تميز عن بقية الكائنات وفضل عليها، فإنها وإن كانت تملك شيئاً من الإدراك الغريزي إلا أنه في حدود ضيقة.

أما الإنسان فهو يستطيع بعقله تمييز الأشياء ومقارنة بعضها ببعض ثم الترجيح بينها والحصول على النتائج من مقدماتها، وتحديد الضوابط التي ينبغي الجري عليها مع سعة أفقٍ وانفتاح على الواقع، قد يقطع به ذووا الهمم العالية شوطاً بعيداً في التقدم، ويرتفعون به إلى مراتب سامية من الرقي والكمال، وقد أكد القرآن الكريم على العقل في آيات كثيرة منها، قوله تعالى: {وما يذكّر إلا أولو الألباب}.

وكما جاء في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ((لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل))، وكما ورد في حديث هشام ابن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): ((يا هشام إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب} يا هشام إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان ودلّهم على ربوبيته بالأدلة))، وإلى ذلك مما لا يحصى كثرة، فالشخصية الناجحة هي التي تفعل العقل ولا تخفق في القيام بوظيفته فهو منشأ المسؤولية دائماً، جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((استرشدوا العقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا)).

ولا شك إن سر النجاح للشخصية المثالية هو العقل الطبيعي والتجريبي؛ وذلك لأن التجربة وسيلة لإستشعار القدرة الكامنة للذكاء والفكر، كما أن التجربة تنير العقل وتنشط الكثير من الإستعدادات الفطرية للإنسان؛ ولذلك نرى الشخص الذي يدرس حوادث الحياة بدقة ويقف على أسبابها ومسبباتها ويخزن نتائج هذه الدراسة في ذهنه يكون شخصاً يقظاً واعياً صافي الذهن، فهو بالإضافة إلى عقله الطبيعي يملك عقلاً مجرباً ويحضى بفهم إكتسابي نتيجة المعلومات التي حصل عليها وتعلمها في مدرسة الحياة.

أختي الكريمة وكما قال الإمام علي (عليه السلام): ((العقل عقلان، عقل الطبع وعقل التجربة وكلاهما يؤدي إلى المنفعة))، كثير ما حدث في التاريخ البشري أن أخذ بعض الأشخاص أو المجتمعات تجارب رجال صنعتهم الخبرات والظروف الصعبة ودروس الحياة، واستطاعوا حل معضلات كبيرة بواسطة أفكارهم النيّرة. ولكن بعض الأذكياء تمكنوا وفي ظروف خاصة بالإستفادة من تجاربهم البسيطة أن يحصلوا على نتائج باهرة ذات فوائد عامة كبيرة.
إن التفكير حق من حقوق الإنسان الثابتة وبدونه يفقد ما يميّزه عن سائر المخلوقات من جوهر العقل، فإن الشخصية التي تفقد التفكير والعمل ولا تسعى لبنائهما تفقد القاعدة التي تستند عليها وتنطلق منها، ولا يمكن لها في أية لحظة أن توجد نفسها في وسط العالم المتطور.

وهناك قصة ظريفة فيها دليل على فائدة التفكير وحسن التدبير وهي: يحكى أن تاجراً ذهب إلى السوق ليشتري عبداً يستخدمه، فرأى عبداً قد زاده الله بسطة في الجسم فأُعجب به وقال للبائع: بكم تبيع هذا العبد؟ فعرض ثمناً زهيداً فدفع له الثمن ثم توجه التاجر للبائع فسأله: ما عيبه؟ فقال البائع: كل شيء فيه جيد، لكن عيبه الوحيد أنه لا يفكر وأي أمرٍ تأمره به ينقذه في الحال، قال التاجر: ذلك أفضل فأنا لا أريد مفكراً عبقرياً.

وذات مرة قال التاجر للعبد: اذهب وابحث عن ولدي فذهب العبد عن ولد التاجر فرآه يغرق في البحر، إلا أنه لم يحرك ساكناً وعاد إلى مولاه التاجر ليخبره بأن ولده في البحر يغرق.. فقال له ولماذا لم تنقذه فأجاب: أنت لم تطلب مني أن أنقذه بل طلبت مني أن أعثر عليه.

كم من الذين مضت من حياتهم عشرات السنين دون أن يعادلها عشر ساعات من التفكر المنهجي، فعلينا التفكير والسعي الداعي نحو الهدف المحدد وبطريقة معينة تكشف له الحقائق، فهو لا يقف عند حدود المعلومات البسيطة الساذجة، بل يتعداها ليصل ويحصل على معارف ومعلومات حديثة أشمل وأبعد من تلك ويكون التفكير باستشارة المعلومات القديمة أي الإستفادة من التجارب السابقة.

ومن هنا يتضح الفرق بين العلم والتفكير، فالعلم ما هو إلا معلومات ومعرفة يكتسبها الإنسان من خلال حواسه،أما التفكير فهو أعمق وأبعد من ذلك بكثير فهو يبلور هذه المعلومات فتحصل له إستنتاجات جديدة من جراء إستشارة جميع المعلومات المخزنة، فلا يتوقف التفكير عند حد معرفة أمر ما، إنما يقوم بتحليله ومعرفة خلفياته فيدخل في جوهر معلولاته، فلنأخذ مثلاً على ذلك: نيوتن عندما سقطت أمامه التفاحة أخذ يفكر في هذا الأمر طويلاً إلى أن وصل إلى حقيقة الجاذبية الأرضية؛ لأنه فكّر في ذلك تفكيراً علمياً. ولذلك جاء الخبر "تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة:، فالإنسان لو لم يفكر لما عرف العبادة الحقيقية لله تعالى؛ وذلك لأن العبادة منهج ولا يمكن التعرّف على أبعاد هذا المنهج من دون تفكير، ومن الطبيعي أن يكون أثر هذا البناء المنهجي للتفكير في الشخصية بناءً سليماً لأن التفكير إنما هو نظرية وسلوك.
 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الشخصية الناجحة -الحلقة الثانية - الدورة البرامجية 26

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا