في كلِّ عام عندما يهلُّ هلال شهر محرم الحرام يرتدي المؤمنون وخصوصًا في العراق ثوب السواد، وتنصب سرادق العزاء، وتسير المواكب لإحياء هذه الذكرى الأليمة لاستشهاد سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته وأصحابه الأوفياء (عليهم السلام) في يوم عاشوراء من سنة (61هـ).
هي فرصة لاستلهام دروس في الحرية وفضائل إنسانية سامية في المدرسة الإسلامية.
وهنا أتوخى بلورة الإجابة على ثلاثة أسئلة أساسية طرحها بعض الشباب:
1- ما سر هذا التوهج بإحياء هذه الشعائر سنويًا؟
2- هل هي قضية خاصة بالشيعة فقط؟
3- كيف نستطيع تجسيد نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في حياتنا؟
هذه الأسئلة وغيرها هي أسئلة مهمة ومشروعة نشأَت في أفكار بعض الشباب التي تأثر بها عقائديًا، يمكن أن نلخصها بين ثلاث قراءات:
1- الشعائر الحسينية وسر التوهج بإحيائها سنويًا هي قضية خالدة صنعها الوجدان وطوّر أدواتها العقل؛ لتحيا بها القلوب، لذلك هذا الحزن الذي نعيشه في أيام عاشوراء الحسين (عليه السلام) وتنتعش فيه أُمنيات: (يا ليتنا كنّا معكم).. هو حزن من نوع آخر.. هذا الألم العميق الذي يسكن أرواحنا ويحرك أحاسيسنا والدموع، لا يُيئس القلوب ولا يُبدد العواطف، بل هو الحزن الذي يحيينا، والذي ينبهنا أن لعمرنا القصير لا بد من غاية.. فالقضية لم تنتهِ بعدُ.
2- قضية الإمام الحسين (عليه السلام) ورسالته ليست فقط للشيعة، وإنّما هي -كانت وما زالت- لكلّ العالم، فهي درس وعبرة وعظة وفكرة.. هي درس يتعلم الإنسان منها أنّ الظلم أينما كان وكيفما كان لا يدوم ولن يدوم، وأنّ المظلوم يجب أن يقول للظالم: (لا)، ولو أدى ذلك إلى قتله. وقد ضحى (عليه السلام) بنفسه وبعائلته وأصحابه (عليهم السلام) وسُبيت عياله لأجل إصلاح الدين لا لسبب دنيوي، فاستشهاده ترك أثرًا عميقًا في نفوس المسلمين والشيعة بالخصوص، واستلهمت من نهضته حركات مناهضة للسلطة، مما أدت إلى توالي الثورات ضد السلطات الحاكمة المتعاقبة، وكانت السبب في سقوط الدولة الأُموية.
3- نستطيع تجسيد نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في حياتنا؛ بالالتزام بالصلاة، لو نظرنا إلى التزام الإمام (عليه السلام) وحرصه يوم العاشر على إقامتها في أول وقتها، وأنّه لم يتركها حتى مع اشتداد الحرب، حتى إنّ أحدًا من أصحابه أُثخن بالجراح في أثناء الصلاة وهو واقف بين يدي الإمام (عليه السلام) يذود عنه السهام.
كما أبدى (عليه السلام) تفقده للطبقات الاجتماعية والتي تتمثل في جون (رضوان الله عليه)، عندما جاء إلى الإمام (عليه السلام) وشكا إليه نتن رائحته، وسواد لونه، فإنّ الإمام (عليه السلام) دعا له: «اللّهم بيِّض وجهَهُ، وطيِّب ريحَهُ، واحشُره مع الأبرار» (بحار الأنوار: ج٤٥/ص٢٥)، وقد نُقل أنّ هذا الغلام شوهد بعد استشهاده بأيام وقد فاحت رائحته الطيبة (بحار الأنوار: ج٤٥/ص٢٥).
وفي الختام نجد أنّ قصة حب الإمام الحسين (عليه السلام) لا تعرف حدودًا زمانية أو مكانية؛ فهي تستمر في تحفيز الناس وتلهمهم للسعي نحو العدل والتآخي والمحبة ونبذ الفُرقة ورفض الظلم والتحلي بالنزاهة والصدق وقول الحق والعمل الصالح في كلّ حقبة من تاريخ البشرية.
النهضة الحسينية وتأثيرها في النفوس
كيفية التقليل من إدمان الهاتف الذكي؟!