لطالما نطقت شفاه أهل البيت (عليهم السلام) الطاهرة بقولهم: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا»، لكن إذا تأملنا الواقع نجد مع قولنا: إنّنا نُحيي هذه الشعائر، نُحيي أمر أهل البيت (عليهم السلام).. غير أنّ الحقيقة أنّ الشعائر هي التي تُحيينا، هي التي تمنحنا الحياة، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى﴾ (الشورى: 23)، وفي آية أخرى: ﴿قُلْ مَا سَالتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ (سبأ: 47)، فما معنى هذا؟
معناه أنّ الأمر الإلهي بمودّة قربى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، هو رحمة لنا؛ لأنّ الهداية ارتبطت بهم، والنجاة لا تكون إلّا بوساطتهم، ولذلك كانت هذه الشعائر من ذات الطينة، ومن نفس الجوهر.
نحن نُؤمر بإحياء الشعائر؛ لأنّ الشعائر هي التي تُحيي قلوبنا وأرواحنا، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ﴾ (الحج: 32)، فالقلب التقي هو الذي يُحيي الشعائر، والقلوب التي تُحيي الشعائر تتزوّد بالتقوى وتزداد نورًا.
نحن نتمنى أن تكون الشعائر -لا سيّما في شهر الأحزان- بمنزلة رموز تعبِّر عن الارتباط بالله تعالى، رموز تشير إلى التوحيد، إلى العترة الطاهرة، إلى الخط المحمدي الأصيل، والشعيرة في حقيقتها مأخوذة من معنى (الإشعار)؛ أي الرمز والدلالة، فعندما أرى لافتة مكتوب عليها (أمامك منعطف)، أو (أمامك مطب)، فهذه رموز تهديني كيف أسير، كذلك حينما أقف للصلاة، وأكبّر، وأبدأ بقراءة القرآن الكريم، فإنّ هذه الهيئة والشعائر تدلُّ على أنّني مسلم، وأنّني أنتمي إلى دين، إلى مذهب، إلى عقيدة.. هذه رموز تدلُّ على الدين، على التوحيد، على النهج القويم، ونحن نرجو أن تكون هذه الشعائر ذات أثر على الفرد، وعلى الأسرة، وعلى المجتمع.
أنا أتمنى، وكما يتمنى الكثير من العلماء والفضلاء والخطباء والمهتمين بالشأن الديني، أن تكون هذه الشعائر والممارسات الدينية في شهر محرم الحرام، ليست مجرّد تقاليد اجتماعية أو طقوس متوارثة! بل نأمل أن تكون نابعة من عقيدة واعية، وممارسة حقيقية للدين، نريدها أن تنبع من وعيٍ ديني، لا من مجرد انفعال عاطفي مؤقت.
فنحن لا نُحيي الشعائر لمجرد الإحياء، بل نُحييها لتُحيينا، لتوقظنا، لتُربّينا، لتربطنا بالله تعالى والعترة الطاهرة، ولتجعلنا من الحسينيين الحقيقيين، من شباب المواكب، من أهل الهيئات، من رواد المساجد والحسينيات، وحتى من الحاضرين والمستمعين في المجالس.
كيف نحيي شهر الأحزان؟ إحياء الشعائر
النهضة الحسينية وتأثيرها في النفوس