الفتاة وتعزيز الثقة بالنفس
2019/10/21
3845

من المعلوم لدى أي مهتم بعلم نفس الإنسان أننا معرّضون في حياتنا اليومية لكثير من الاحباطات والانفعالات التي تؤثر علينا سلبياً (فشل في الدراسة أو العمل، الانتقادات المستمرة من الوالدين، التوبيخ الحاد امام الاخرين، التعرض لحادث مؤسف، دماثة الوجه، الخلافات المستمرة بين الأبوين، الخ ..)
هذه الجملة من الاسباب وغيرها الكثير تزعزع ثقة الفتاة بنفسها وتجعلها في مهب الريح، فتصبح ذات شخصية هشه غير واثقه بقدراتها وامكانياتها الفردية.

الثقة بالنفس هي إحساس الشخص بقيمة نفسه بين من حوله فتترجم هذه الثقة كل حركة من حركاته وسكناته ويتصرف الإنسان بشكل طبيعي دون قلق أو رهبة فتصرفاته هو من يحكمها وليس غيره .... هي نابعة من ذاته لا شأن لها بالأشخاص المحيطين به وبعكس ذلك هي انعدام الثقة التي تجعل الشخص يتصرف وكأنه مراقب ممن حوله فتصبح تحركاته وتصرفاته بل وآراءه في بعض الأحيان مخالفة لطبيعته ويصبح القلق حليفه الأول في كل اجتماع أو اتخاذ قرار.

كي أدخل في صلب الموضوع الذي أتكلم عنه لابد أن  أبدأ بالأسرة، البيت الذي يعد نقطة انطلاق الفتاة الى المجتمع واتفحص جيدا الثغرات التي تحيط الفتاة بعلاقتها بمن حولها ابويها، اخواتها، واخوتها من الذكور وحتى الاقارب الذين يشاركونهم بالمعيشة كما في الأسر والعوائل الممتدة قبل الدخول والتعمق دكتورة هل نقول أولاً بأننا يجب أن نحدد مصدر المشكلة كي نستطيع أن نقف على حلوله؟

نعم بالتأكيد، فكل عائلة لها وضعها الخاص امتيازات وسلبيات ولكل نظام أسري قوانين واعراف قد تمارس إيجابيا أو سلبياً فبعد التعرف على مصدر المشكلة يسهل علينا الوقوف على اعطاء العلاج المناسب ، فمثلاً لو كان الاب شديد القسوة مع بناته الاناث بسبب كثرتهن او لاسباب قبلية متوارثة فذلك سوف يحدد العلة مما يمكنا من تدعيم ثقة نفس الفتاة عن طريق الأم المربية او المعلمة أو الصديقة المناسبة أو الأخت الراشدة ، وما شاكل في حين إننا لو لم نهتدي الى الاسباب لما عرفنا كيف السبيل الى إعادة ثقة الفتاة والأخذ بيدها.

إذاً..النقطة الاولى علينا البحث عن السبب المؤثر لذلك الضعف في شخصية الفتاة الذي جعل منها شخصية هزيلة غير قادرة على مواجهة الاخرين، ومن علامات ضعف الشخصية عند الفتاة الشعور المسيطر على الفتاة  بالقلق والأرتباك وتبدل المزاج وشعورها بعدم الأستقرار والأمان وعدم قدرتها على مواجهة النقد، انزوائها وحبها للعزلة، أحياناً تكون متمردة رافضة لأوامر الوالدين، تلعثهما في الكلام بشكل مفرط ، وعدم قدرتها على قيادة نفسها والآخرين ، تسرف في خيال يبعدها عن حقيقة حياتها وهو ما يسمى بأحلام اليقظة.

علينا أولاً أن نتعرف على مدى إدراك الأم لهذه المسالة وهل الأم متعلمة واعية للمرحلة الصعبة التي تمر بها ابنتها ، اذا ضمنا ذلك فعلى الأم الحنونة أن تمنح ابنتها وقتاً اوسع لسماعها ومحادثتها ومعرفة أفكارها فتكون الصديقة القريبة لها ، لا أن توبخها بشكل مستمر على تفصيرها الدائم واخطائها وان كثرت، على الام أن تبدأ باعطائها المسؤوليات وتحفزها بالكلمة الطيبة أو الهدية المناسبة  مع النصح اللين دون تعصب أو شدة في الكلام، وخلق جو مستقر وآمن للفتاة في تلك المرحلة العمرية الصعبة.

نرى ونسمع ونحن نعيش في هذه الحياة الكثير من الفتيات اللواتي أضحين فريسة لتزعزع الثقه لديهن، ماذا لو لم تكن الأم واعية أو مدركة لخطورة هذا الأمر مايتوجب على الفتاة من فعله؟
على الفتاة استنقاذ نفسها مما هي فيه وان تتفوق على ظروفها وتنظر مليا في حالها لتشرع في رسم اهدافها رغم كل الصعاب التي تعاني منها داخل الاسرة فلقد جبل الانسان على حب النجاح والتفوق لا الى الركون والفشل.

كيف تبدأ الفتاة في ارتقاء سلم الثقة بالنفس؟

على الفتاة أن تجلس مع نفسها وتصارحها بأنها قادرة على التحسن يوماً بعد يوم ولتتوقف عن كل تفكير يقلل من شأنها وأنها مخلوقة مكرمة لم تخلق عبثاً وأن لها  هدف وغاية يجب أن تؤديها في هذه الحياة ما دمت حيه  على وجه البسيطة وأن تكرر في نفسها انا قوية، انا قوية ، لن اقبل بالهزيمة
بهذا الترديد المستمر تستطع ان تستنهض قواها وتشق طريقها رغم كل الصعاب التي تعترضها ، بعد أن تلتجيء الى الباري عزوجل وتواظب على الصلاة وقراءة القران الكريم، كي تكون لها ارادة فولاذية بعد ان وجدت نفسها بين حطام العوائل ومنغصات الاعراف البالية.
ماذا حول إحساس الفتاة بالقهر والاحتقار من تعامل اهلها معها اليس هذا منبع ومنشا تزعزع الثقة بالنفس؟
نعم بالتاكيد فلهذا على الفتاة التي تشعر بالاحباط وعدم الثقة نتيجة التعامل السيء الذي تتلقاه من قبل بعض أوكل أفراد أسرتها أن تلتجيء بعد التوكل على الله الى احد الاقارب المقربين او احد المربيات الفاضلات في المدرسة او من تثق به من الاقارب ليساعدها في تفهم حالتها وحالة اسرتها مع ترديدها الدائم مع نفسها: سأنجح أنا قادرة على ذلك.

قرأت في أحد الكتب دكتورة بأن على من يشعر بالخيبات المتكررة او الاحباط الدائم أن لا يفرط في استرجاع الكبوات وحالات الفشل التي مني بها  ولا يضعها في أولويات تفكيره لما لها من تأثير نفسي سلبي، ما صحة هذا الكلام؟

كلام صحيح ورأي سديد على الفتاة التي فشلت مثلا في مرحلتها الدراسية ألا تعيد مراراً وتكراراً ذلك الفشل وتضعه نصب عينيها بل عليها أن تكتشف أخطاءها التي ادت بها الى الفشل وتعمل على تجاوزها بعين الحرص والجدية وأن توفق بذلك بالرغم من بقاء كل الاسباب التي تتعرض لها من قبل الاسرة
نعم دكتورة ماقولك للفتاة عندما تقارن نفسها بغيرها فيصيبها الالم لما تكون دون المستوى المطلوب مقارنة بأقرانها؟
من المهم جدا أن لا تعطي الفتاة لنفسها حيزا لعمل المقارنات المحبطة  بين ذاتها وغيرها  ، فقد تدمر كل ما بنته ...لا تقول لا يوجد عندي ما قد وهبه الله لفلانة ... بل تذكر أن لكل شخص منا ما يميزه عن الآخر وأنه لا يوجد إنسان كامل ... ولا بد أن تعي أيضاً أن الله قد وهبها شيئاً قد حرمه الله من غيرها، يجب أن تعيش مع ذاتها كإنسان كريم حالها حال ملايين البشر لها موقع من بينهم لا تعتقد بأنها لا شيء في هذا الكون بل أنها مخلوق قد أكرمها الله وفضلها على كثير من خلقه.

سنتنقل الى معرفة اهم المعالجات من قبل الأم لفتاتها في هذه المرحلة، فالأم اقرب الناس الى ابنتها وعليه لابد لها من بذل كل طاقاتها لاجل تنمية قدرات فتاتها والاخذ بيدها حيث مرفيء الأمان والاستقرار الذهني والعاطفي ، وعليها أن تبدأ بتعزيز ثقتها بنفسها خاصة وأن الأم قد مرت بنفس المرحلة من قبل وهي مدركة لكل المشاعر والأحاسيس التي انتابتها في تلك المرحلة الحرجة والتي تمر بها فتاتها اليوم ، فالأم تستطيع أن تحلل وتتفهم  افكار فتاتها أفضل من غيرها وأن تخرجها من كل المازق النفسية التي تعرضت اليها هي بنفسها في مرحلة المراهقة وأكثر بقليل.

كثير من الفتيات يشتكين بأن لا أحد يفهم متاعبهن ولا يساعدهن والأم غالبا ما تملي عليهن القرارات الصارمة وتوبخهن على التقصير في المساعدة بأعمال المنزل كيف توفق الأم بين طلباتها المنزلية لفتاتها وبين تنمية ثقتها بنفسها؟

على الأم الحنونة الطيبة أن تحمل هموم ابنتها محمل الجد وتأخذ بيدها حيث السكينة والحنان وأن تتلقف أفكارها السلبية فتزيلها برقتها واهتمامها الحنون بها وان تحتضن أفكارها وطموحاتها وقدراتها على واعز البناء والتشييد المتين عبر فتح افاق التطور لها والنجاح وتوفير الوقت المناسب لجملة متطلباتها وفي ذلك عين إرضاء الله والذي هو غاية كل إنسان.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج جنى العمر- الحلقة الأولى- الدورة البرامجية 37

تحدث معنا
يمكنكم التواصل معنا من خلال التحدث بشكل مباشر من خلال الماسنجر الفوري تحدث معنا