لقد اهتم الاسلام بالشباب اهتماما بالغا واعتبره المرحلة المهمة في بناء شخصية الإنسان؛ فالشباب هم العنصر الفاعل ، والقوة الهائلة التي تبنى الأمم والشعوب على كواهلها وبقوة سواعدها ، ولذلك نجد أن كل أصحاب الحركات الإصلاحية الناجحة في كل العصور هم من الشباب فأصحاب الكهف كانوا فتية، قال تعالى (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)، وقال تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) ، وأصحاب النبي محمد (ص وآله) الذين حملوا دعوته والتفوا حوله ونصروه ونشروا دعوته في أرجاء المعمورة كان معظمهم من الشباب ، وكذلك حينما نرجع سيرة ائمتنا (ع) نجد ان جل اصحابهم من الشباب الواعي الذي استطاع ان يحمل الاسلام في فكره وروحه ويبلغه بكل حب وإخلاص.
إذن فالشباب هم ركيزة الأمة وحجر الزاوية لذا فهم يسألون عن تلك المرحلة الهامة من حياتهم، كما يُسألون عن حبهم لأهل بيت النبوة (ع)، وإنَّ أمراً يُقْرَن بحب أهل بيت رسول الله (ص) لخير دلالة على أهميته، وإشارة إلى ثقل المسؤولية عنه.
الشباب بالنسبة لمراحل العمر فهو أنضرها وأبهاها وأقواها عزيمة، وهو في جسم الأمة نبع الحياة المتدفق الذي ترجو منه الجديد في كيانها والإعداد لمستقبلها، ومن هنا أكدت الرسالة الإسلامية على وجوب الاهتمام بالشباب وبنائهم بناء فكرياً وروحياً وخلقياً؛ لأنَّهم مؤهلون لتقبل التعاليم أكثر من غيرهم فهم أرق أفئدة،وأزكى نفساً، وأعلى همة، وقد جاء الحث في الروايات على ضرورة التفقه للشباب وتسلحهم بالعلم والمعرفة فعن الإمام الصادق (ع) قال: (لو أُتيت بشَابٍّ مِنْ شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته).
وقد كان رسول الله (ص) يعتمد على الشباب، ويسند إليهم مناصب ومسؤوليات حساسة وهامة، وطالما لاقى معارضة شديدة من بعض من يعتبر نفسه أولى بذلك ؛ لكبر سنه أو قدمه، وكان النبي الاعظم (ص) يرد عليهم رداً حاسماً، حيث اختار النبي (ص) مصعب ابن عمير؛ ليكون ممثلاً له في المدينة المنورة؛ وليُقرأ الناس القرآن، ويُعلِّمهم أحكام الإسلام، ويمهد أرض المدينة لاستقبال الرسول (ص) وقد أسلم على يده أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وكفى بذلك فخراً.
وكذلك اختار نبينا العظيم (ص) عتّاب بن أَسِيد بعد فتح مكة أميراً عليها لما سار إلى حنين وكان عُمْرُ عتاب آنذاك في حدود العشرين سنة, وأمره أن يصلي بالناس وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة... وقد قال له رسول الله (ص): (يا عتاب، تدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله عز وجلّ، ولو أعلم لهم خيراً منك استعملتُه عليهم).
وقد واجه اختيار عتاب بن أسيد موجة احتجاجات من كبار رجالات العرب خصوصاً رؤساء القبائل, ولم يسمع النبي (ص وآله) لتلك الاحتجاجات, بل أمرهم بامتثال أوامره وطاعته، وإنَّ إصرار النبي الأكرم (ص وآله) على إبقاء عتاب بن أسيد والياً على مكة رغم احتجاج كهولها ونبلائها، ورسالته الجوابية على هذا الاحتجاج يبينان النهج الإسلامي في حماية الشبان الأكفاء ورعاية الاسلام لهم.
كما اختار (ص وآله) في أواخر حياته لقيادة حملة ضخمة لغزو الروم الشاب أسامة بن زيد، وقد ضم الجيش في هذه الحملة كبار الصحابة ووجوه القوم, وقال في حقه: ( أما بعد أيها الناس، فما مقالة بلغني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه قبله، وأيم الله إن كان للإمارة خليقاً، وإنَّ ابنه بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، فاستوصوا به خيراً فإنه من خياركم) فليس هناك أقدر من الشباب على تحمل التبعات والمسؤوليات، وصنع العجائب.
نعم، فمرحلة الشباب تكتسب أهميتها من حيث أنها مرحلة: القدرة والطاقة والفاعلية والإبداع والحركية... فإن الشباب هو الجيل الوارث، وهو في كل أمة مصدر قوتها، وعنوان مجدها وعليه مدار مستقبلها، فإن كان شباب الأمة واعياً مدركاً لمسؤولياته مضطلعاً بأعباء رسالته، صالحاً جسماً وروحاً، قوياً بنية وعقيدة، كان جديراً أن يحقق لأمته كل ما تصبوا إليه من خير وسعادة ومجد وسيادة، وإن كان الشباب جاهلاً غير مدرك لمسؤولياته، ولا مستعداً للنهوض بأعباء رسالته في الإصلاح والبناء والتعمير، كان أحرى بتلك الأمة التي هكذا شبابها أن تضيع حياتها، وتخسر مستقبلها، وتقتل في نفسها آمالها وأحلامها في العزة والكرامة والمجد والسيادة.
وبذلك تكون مرحلة الشباب أهم مرحلة في حياة الإنسان حاضره ومستقبله، فهي المرحلة الأولى التي يضع فيها الإنسان قدمه على عتبة الحياة, وبها تتفتح قدراته الاكتسابية، والإبداعية، وبها يتوجه لبناء شخصيته، وإرساء دعائم مستقبله بما يكتسب من ملكات إنسانية فاضلة: كالعلم، والصبر، وقوة الإرادة وما يتفرع منها من سجايا أخلاقية سامية أخرى.
كل ذلك إذا لم يحصل عليه الإنسان في شبابه فسوف يصعب عليه تحصليه بعد ذلك، فمن عمل على اكتساب الأخلاق العالية والخصال الحميدة, والملكات الفاضلة في شبابه سهل عليه ذلك, وترسخَّت في نفسه واستقامت بها شخصيته، ورد عن الإمام موسى بن جعفر (ع) عن آبائه(ع) قال: (قال رسول الله(ص):( مَنْ تعلَّم فِي شَبَابِهِ كان بِمَنْزِلَةِ الرَّسْمِ فِي الْحَجَر, وَمَنْ تعلَّم وَهُوَ كَبِيرٌ كان بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابَةِ عَلى وَجْهِ الْمَاءِ).
وعلة ذلك أنَّ نفس الإنسان في مرحلة الشباب تتسم بالصفاء والخلو من كل ما يشوبها ويشغلها يقول أمير المؤمنين (ع) في وصيته لولده الحسن (ع): (وَإِنَّمَا قَلْبُ اَلْحَدَثِ كَالأَرْضِ اَلْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ).
نعم مستمعاتنا المؤمنات: إنَّ
أيام الشباب تعني بلوغ أعلى القمم, وشروع أجمل مراحل العمر، والشاب
يرى الأشياء جميلة والأفق
واسعاً مليئاً بكل ما يستهويه ويرتضيه، ويصبح غارقاً بالآمال
والأمنيات، وتشكل مرحلة الشباب مشعلاً وضاءً وسراجاً منيراً في عمر
الإنسان، انها عهد القوة والعنفوان، عهد النشاط والأمل, عهد الجد
والعمل.
ولهذا فإنَّ مرحلة الشباب كانت ولا تزال موضع اهتمام كل الأمم الواعية والمتحضرة؛ اذ تولي مرحلة الشباب أهمية بالغة في كل مشاريعها ومؤسساتها، وتبذل الجهود المضنية والأموال الطائلة، حيث إنَّ كل الشعوب تعد القوى الشابة ثروة إنسانية عظيمة، وهذا يؤكد اهمية الشباب ودورهم البناء فهم من يصنع المستقبل ويبني الحاضر.
لذا فإن من أولى واجبات الشباب أن يحافظوا على هذا الشباب وأن يستفيدوا منه وأن يعرفوا ما هي قيمة الشباب وما هو أثره ودوره ومسؤوليته ، وبذلك سيرتقي الفرد والامة على حد سواء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: برنامج مهلاً أيها
الشاب-الحلقة الأولى-الدورة البرامجية61.
أُم البنين (عليها السلام) ونصرة إمام زمانها